المسرح حين لا يكترث بالعرق

ورشة فن - مسرح

0 861

مالك القلاف – السعودية

على عكس المنجز السينمائي برمته، نجد أن المسرحيات العالمية التي تُعرض في أوروبا وأمريكا لا تكترث للمسائل العرقية ولا تقيم وزنا للتفاصيل اللونية ما بين شخوص العرض، حيث في الكثير من الأحيان يتم الاستعانة بممثل أسمر لأداء دور -جرت العادة- أن يقوم به ممثل أبيض، كدور المخترع فرانكشتاين مثلاً في مسرحية فرانكشتاين والذي قام به الممثل الأسمر (جورج هاريس) وأيضاً شخصية هاملت التي قام بها مؤخراً الممثل الانجليزي الأسمر (بابا ايسييدو) لصالح مؤسسة شكسبير الملكية. وعلى عكس المنجز السينمائي أيضاً، قد يأخذنا المسرح بكل ما يحمل من تناقضات إبداعية إلى فضاءات غرائبية أبعد من ذلك، مثلاً في مسرحية (أماديوس) التي تعرض في بريطانيا نجد أن شخصية (انطونيو ساليري)، وهي شخصية حقيقية لموسيقار إيطالي أبيض، قد أسندت إلى الممثل الإنجليزي الأسمر (لوسيان ماسماتي)، وتلك إشارة إلى أن للمسرح ما ليس لغيره من حق في أن يتجاوز ليس المخيال فقط، وإنما حتى أدق التفاصيل التي يوثقها التاريخ.

في سنتي الرابعة بالمعهد العالي كان نص مسرحية أماديوس للكاتب بيتر شافير أحد النصوص المقررة في مادة تحليل نصوص، وشخصيا استمتعت بقراءة النص المترجم إلى العربية على يد المترجم صلاح صلاح (دار ورد للنشر) واستمتعت بغزارة التساؤلات الوجودية التي كان يزرعها شافير في الفعل الدرامي لكل شخصية، خصوصاً شخصية الموسيقار الإيطالي (انطونيو ساليري)! النص بشكل عام عبارة عن قصة واقعية تجسد الصراع الدرامي الغريب ما بين الموسيقار المعروف (موزارت) والموسيقار الرسمي للبلاط في فيينا انذاك الإيطالي (انطونيو ساليري)، حيث يشعر موسيقار البلاط ساليري بالغيرة تجاه هذا الشاب الموهوب جدا ذائع الصيت جدا والسوقي جدا والهمجي جدا واللا مبالي جدا (أماديوس موزارت). لست هنا أود أن أحرق عليكم متعة قراءة المونولوجات العظيمة التي تأتي على لسان شخصية ساليري وهو يصارع ما يتنازع روحه من غيرة وحسد تجاه الموسيقار الشاب، ولكن بشكل عام هي شيء أشبه بالنشوة!

كل المهتمين بالسينما يعرفون تماما ذلك النجاح الباهر الذي رافق عرض فيلم (أماديوس) عام 1984م للمخرج (مايلوس فورمان) والمقتبس من النص المسرحي، حيث حصد ثمان جوائز أوسكار في تلك السنة من ضمنها أوسكار أفضل فلم وأفضل مخرج وأفضل نص، لكن الدهشة برمتها هنا كانت على عاتق الممثل الأمريكي (إف موراي ابراهام) الذي أدى في الفلم دور الموسيقار الإيطالي (انطونيو ساليري) ببراعة لا مثيل لها فاستحق بذلك أوسكار أفضل ممثل دور رئيسي دون مواربة.

ولست أقول ما أقول تحت تأثير أيدولوجيا المسرح، ولكن إن كان الأمريكي (موراي ابراهام) قد أدى دور ساليري ببراعة في الفلم عام 1984م فإن الأسمر (لوسيان ماسماتي) عام 2017م قد تجلى على الخشبة كما ليس لأحد أن يتجلى! لقد أدى ماسماتي الدور بعبقرية قل نظيرها ولست أبالغ هنا حين أقول إنها كانت إحدى اللحظات النادرة التي تتلبسني فيها الدهشة بكامل أسلحتها وأنا أشاهده وهو يؤدي مشهد مناجاته العاتبة نحو الرب! كانت تجسيدا لما أطلق عليه ستانسلافسكي (اللحظة الفنية الخلاقة)! ولربما برأيي أرى ان التحدي قد يغدو أشد وطأة حين يقوم ماسماتي بالدور واضعا في حسبانه تلك الماراثونات النقدية التي حتما سيعقدها النقاد وسيعول عليها الجمهور في مقارنة صريحة ما بينه وبين أداء السينمائي الأمريكي موراي ابراهام، لكن أيضاً برأيي المتواضع كان ماسماتي بحجم التحدي واستطاع ابتكار شخصيته الخاصة بطريقته الخاصة بأسلوبه الخاص بأدواته الخاصة بتوقيعه الخاص دون أن يتأثر بصيت ذلك الأداء الأوسكاري للممثل الهوليوودي (موراي ابراهام) ودون حتى أن يعبث بالأبعاد الرئيسية التي رسمها الكاتب في الشخصية داخل النص (أماديوس)!

*المقطع القصير المرفق من اليوتيوب للممثل الأسمر لوسيان ماسماتي في عرض أماديوس.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.