الواقعية في مسرحنا

ورشة فن - مسرح

0 1٬056

قحطان جاسم جواد-العراق

ارتبط مفهوم الواقعية بالتقدم العلمي والجمالي وما طرأ على الفنون من تطور لا سيما في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، التي تعد الفترة الأهم لتألق الواقعية بأشكالها المتعددة، بعد أن أزاحت الرومانسية نصاً وتجسيداً ضمن تقدم مسارات التقدم الفكري، الذي لحق بالحياة العامة وأصبح متزامنا مع حركة المجتمع والحياة. والواقعية هنا مقصود بها مناقشة الانسان للطبيعة ومحاكاتها وايجاد أجوبة لما يحيط بالإنسان، الذي وجد نفسه وسط هول الطبيعة وسعتها واشتباكاتها عامة، متخذاً من تحديات الطبيعة واستجابات الذات اكتشافا واستكشافا.

بينما يقول روجيه غارودي عن الواقعية بأنها: “الوعي بالمشاركة في خلق وتجديد الانسان لنفسه باستمرار باعتبار ان هذا الوعي أرقى أشكال الحرية”، وأن يكون الانسان واقعيا لا يعني على الاطلاق نقل صورة الواقع، بل محاكاة نشاطه، وهو ليس تقديم نسخة منقولة، بل المشاركة في البناء الخالص لعالم ما يزال في طور التكوين.

في حين تعرفها الدكتورة شذا سالم في كتابها (الواقعية وتطبيقاتها في المسرح العراقي) بأنها “مناقشة واقعية النفس البشرية وفق معطيات العصر وتياراته المختلفة ثقافية ودينية واقتصادية واخلاقية وتقاليد وعادات. وتعنى بتصوير المشكلات الرئيسة للوجود الاجتماعي في صورة صادقة مع الواقع الاجتماعي والانساني على نحو نموذجي فني”.

وتضيف شذا: “تؤكد الدراسات المسرحية في العراق أن المسرح نشأ في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عن طريق المدارس الدينية والاديرة وأعمالها الأجنبية على أسس اجتماعية تستند على النظرة الدينية والاخلاقية. كما أن التحولات الاجتماعية والفكرية والسياسية قد ادت دورا أساسيا في تطور الحركة المسرحية العراقية. ولأن الفن يعتبر من المقومات الأساسية لخدمة المجتمع، فإن المؤلف العراقي سعى بهذا الفن إلى أن يكون ذا هدف متصل بمكونات تستمد خصوصيتها من المجتمع نفسه”.

ويذكر أحمد علاوي في مقاله (بدايات المسرح العربي في العراق) أن مسرحية وحيدة للكاتب العراقي موسى الشابندر هي أبرز مثال على الاتجاه الواقعي الاجتماعي في المسرح العراقي. وعبر فيه عن الانعكاسات الاجتماعية والوضع السياسي العام. وعدت المسرحية كأفضل نموذج درامي يعكس مشكلة اجتماعية طرحت على نحو جريء آنذاك وانطلقت من خلال موضوع اجتماعي دقيق يمثل تقاليد المرحلة فقدم قضية معاناة الشباب واصطدام طموحاتهم بالتقاليد الاجتماعية البالية، والمتمثلة بالجيل الحامل للقيم السلبية الذي تدعمه قوة المستعمر إبان فترة أحداث المسرحية في عام 1928وقت كتابة المسرحية، كما يشير علي الزبيدي في بحثه عن المسرحية الواقعية.

ثم جاءت الكتابات المسرحية لتصب في هذا المجال لا سيما كتابات يوسف العاني الذي استوحاها من احوالنا الاجتماعية الراهنة أو القريبة عهداً بهذه الأحوال يستوحيها كقاعدة انطلاق له يستند اليها في الارتفاع الى آفاق الفن اللامحدودة يوظفها دراميا وفنيا ومسرحيا من أجل ابداع صورة حقيقية أمينة تعكس المجتمع كما يقول عبد المسيح ثروت.

كذلك لعبت القضية الفلسطينية دورا مهما في مسرحنا لأنها ارتبطت بالحس الثوري في الوطن العربي والثقافة حول فلسطين ومصيرها. وتأتي كتابات طه سالم وادمون صبري في الخمسينات والستينات لتصب بذات الاتجاه الواقعي الذي تستلهمه تلك الكتابات التي ارتبطت بالدرجة الاساس بطبقة الكادحين من العمال والفلاحين والفقراء عموما.

بعد تلك الاعمال نضجت التوجهات المسرحية لتتحول الى نقد قاس للوضع القائم بما يدفع بالمواطن الى النضج والوعي والتحفز للثورة. فبرزت اعمال شكلت علامات واضحة في واقعية المسرح العراقي، بالرغم من تعدد الافكار والطروحات فيها لكن يبقى الرابط بينها هو الواقع المعاش. من تلك الأعمال مسرحية (حسن أفندي) لطه سالم و(أنا أمك يا شاكر) ليوسف العاني و(أيام العطالة) لأدمون صبري، بالإضافة الى مسرحيات عادل كاظم كـ(الحصار) و(تموز يقرع الناقوس) وغيرها.

ثم تطور الجانب النقدي في أعمالنا المسرحية لتمزج ما بين التراث والموروث الشعبي وعكسه على الواقع المعاش كما في أعمال قاسم محمد كما يشير الناقد علي مزاحم عباس.

كما ظهرت الواقعية الرمزية في ثمانينات القرن المنصرم التي تزامنت مع حركة وأعمال التجريب كما في كتابات يوسف الصائغ وفلاح شاكر وفاروق محمد والدكتورة عواطف نعيم.

الحديث يطول عن الواقعية وما اعتراها من تطورات اخرى قد نتوقف عنده مستقبلا.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.