تحليل مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير في ضوء المدرسة الرومانسية

ورشة فن - مسرح

0 498

أفنان مندورة – السعودية

تكون معالجة القضايا في المدرسة الرومانسية من خلال العاطفة التي تتحكم في الشخصيات، لأنها اهتمت بالإنسان كفرد وبعواطفه ونفسيته وإنسانيته، ففي مسرحية يوليوس قيصر، التي انتجت عام 1599م، جعل وليام شكسبير (1564م – 1616م) المتآمرين هم من يتحكمون في الأمور ويسيطرون على الأحداث، ويتلاعبون بمشاعر النواب بدافع حب الوطن وحمايته، وتجسد هذا في شخصية المتآمر كاشياس الذي كتب رسائل مفبركة إلى النائب والعضو في مجلس الأعيان بروتاس باسم الشعب لمحاربة يوليوس قيصر، ولقد كان حسودا وحقودا، ويبغض يوليوس قيصر، ولم يتقبل فكرة أن يراه زعيما عليه، ولكنه كان محاربا شرسا وفطنا، ويتمتع بالمهارات والخبرات السياسية، وهذا ما ساعده على اقناع المتآمرين وجمعهم على هدف واحد وهو التخلص من يوليوس قيصر، واستمر في مراسلة بروتاس حتى أقنعه بالمشاركة في قتل يوليوس قيصر حفاظا على الحرية، وخوفا من إساءة استخدامه للسلطة.

كما جعل وليام شكسبير شخصية كالبيرنيا زوجة يوليوس قيصر شخصية عاطفية، تتحكم عاطفتها في تصرفاتها، حيث استيقظت من كابوس مخيف أفزعها، فقررت بعدها أن يبقى زوجها في المنزل وألا يذهب إلى مكان ولكنه رفض، رغم إيمانه بالخرافات وبتنبؤات المنجمين، وتصديقه للأحلام وتفسيرات العرافين، ولكنه قرر أن يذهب إلى مجلس الشيوخ خوفا من أن يقال عنه جبان. أما يوليوس قيصر فكانت شخصيته تظهر الشجاعة والعظمة ومهارة القتال، فلم يتراجع ولم يتنازل إلى آخر لحظة، وتظهر عظمته في طريقة استقبال الناس له، سواء من عامة الناس أو من الشيوخ والأشراف، وجسده وليام شكسبير في المسرحية مغرورا ومتعاليا، وطاغية في نظر المتآمرين، فكان هذا المأخذ الذي جعلهم ينقلبون عليه، خوفا من الظلم وكبت الحرية، لمعرفتهم بشخصيته المتسلطة.

جعل وليام شكسبير شخصية بروتاس تحمل روح الوطنية، وقد كتب له ليجارياس أحد المتآمرين على قتل يوليوس قيصر، قائلا: “فكأني بك يا روح روما، ويا بطل أبنائها، ويا سلالة مجدها، كالراقي قد أبرأت نفسي بالرقي من أسقامها، مرني بالعدو والركض، تجدني آتي بالمستحيل بعد أن أذله تذليلا، قل ماذا أعمل” ([1])، لمعرفته بهذه الروح الوطنية وبشرفه ونسبه، ليؤثر عليه ويدعوه للانضمام إليهم، فإن بروتاس كان يردد شعار السلام والعزة والحرية، ليبرر لنفسه سبب اشتراكه في مقتل يوليوس قيصر، ومن أوجه الأعذار التي أطلقها، قوله: “قتلته لا لأني أقل منك محبة له، بل لأني أكبر منك وطنية أو تفضل، يا هذا حياة قيصر مع موتنا في ذل الأسر، على موته هو وحياتنا في نعيم الحرية؟” ([2])، فهو يريد أن يوصل معنى الشرف والكرامة، ويبعد عن نفسه صفة الخيانة، وأن هدفه كان الصالح العام، وليس حقدا أو حسدا على يوليوس قيصر، ولقد كان بروتاس حنونا تغلب عليه عاطفته ولا يحكم عقله، فقد اتخذ قرارات كثيرة تخالف رأي كاشياس، اثبتت خطأها في مواقف أخرى، كعدم قتله انتوني والسماح له بإلقاء كلمته أمام الناس في جنازة يوليوس قيصر، فأخبر الناس أن يوليوس قيصر لم تكن لديه الرغبة في سلب الحرية من شعب روما، وأخذ يذكرهم بأن يوليوس قيصر سبق ورفض العرش ثلاثة مرات، فكانت كلمته ضد المتآمرين، وقد تسببت في غضب الناس عليهم، كما يظهر هذا الجانب الحنون في شخصية بروتاس عند تعامله مع زوجته بورشيا وخادمه لوشياس، فهو يعامل زوجته برقة وحب في قوله: “أنت زوجتي الصادقة الطاهرة أحب إلي من حبات الدم وقطرات الحياة التي تسيل من قلبي الكئيب” ([3])، ويعامل خادمه برأفة ولين ويظهر ذلك في قوله: “ارجع إلى فراشك يا لوشياس فإن النهار لم يطلع” ([4]).

كانت السيطرة على مشاعر الجمهور وجذب انتباههم من أهم أهداف المدرسة الرومانسية ومن أهداف وليام شكسبير تحديدا، فقد برع في تعدد الشخصيات الرئيسية أو الثانوية واهتم بها، كما برع في سرد الأحداث الرئيسية والفرعية ليجنب الناس الملل، واستخدم لغة نثرية تخللتها بعض الأساليب الشعرية، ولكنه لم يستخدم عبارات السب والشتم، رغم أن المدرسة الرومانسية خرجت عن المدرسة الكلاسيكية في هذه النقطة.

من سمات المدرسة الرومانسية أنها لا تتقيد بالوحدات الثلاث وهي المكان والزمان والفعل، وهذا ما فعله وليام شكسبير في مسرحية يوليوس قيصر فكانت بعض المشاهد في شوارع روما، وبعضها في حديقة بروتاس، ومرة في قصر يوليوس قيصر، ومرة في ميدان، وهذه سمة مشتركة بين المدرسة الواقعية والمدرسة الرومانسية.

وعن مشهد قتل يوليوس قيصر فقد تم تجسيده على المسرح، فالمدرسة الرومانسية لا تمانع من تمثيل العنف والقتل أمام الجمهور، فاجتمع المتآمرون على يوليوس قيصر وطعنه كاشياس أولا ثم باقي المتآمرين، وكان آخرهم بروتاس، حتى قال يوليوس قيصر كلمته الأخيرة المشهورة “وأنت يا بروتاس؟!، إذن يموت قيصر!” ([5])، كون أن بروتاس كان مقربا جدا من يوليوس قيصر وكان يحبه ويحترمه ويقدره، ولكن بانضمام بروتاس إلى المتآمرين خاب ظن يوليوس قيصر فيه إذ كان مشاركا في قتله.

يتصف انتوني بالقوة والشجاعة تجعله يعزم المواجهة والهجوم على جيش كاشياس الذي لم يتحضر لهذا الهجوم المفاجئ، أما جيش بروتاس فيلتقي بجيش اكتافيوس قيصر الذي يأتي انتقاما ليوليوس قيصر وتبدأ المعركة، حتى تصل إلى كاشياس أخبار كاذبة تقول بأن بروتاس قد خسر المعركة، فيشعر جيش كاشياس باليأس والانكسار ويهزم، فيقوم كاشياس بالانتحار، قد يكون وليام شكسبير يقصد بذلك الانتحار خوف كاشياس من الأسر والاهانة بعد أن كان ذو رغبة قوية في الانتصار والحصول على السلطة بدلا من يوليوس قيصر، وعندما علم بروتاس بانتحار كاشياس يتمرد عليه جيشه ويتراجع، فيخسر بروتاس المعركة، ويصبح أسيرا في يد اكتافيوس قيصر، فيأمر بقتله، ويوافق استراتو أن يقف ممسكا بالسيف ويركض بروتاس نحوه ليقتل نفسه به، ويقول بروتاس قبل موته: “قيصر!، الآن فلتطمئن، فلم أقتلك بأقل إرادة من هذه” ([6])، وبذلك يريد وليام شكسبير أن يظهر قوة إرادة بروتاس حتى عند موته، والرغبة في الموت بعد الهزيمة، وتنتهي المعركة بانتصار انتوني واكتافيوس قيصر.

لصراع في المسرحية بين العقل والعاطفة ولكن تتغلب العاطفة، كون الشخصيات تتحكم فيهم عاطفتهم وهي المحرك الأساسي لهم، من انقلاب المتآمرين ومرورا بتحول مقاصد النواب المخلصين إلى التخطيط لقتل يوليوس قيصر ومن ثم تنفيذ هذا التخطيط، حتى هزيمتهم بانتحار كاشياس ومقتل بروتاس.

 

([1]) وليام شكسبير: رواية يوليوس قيصر لشيكسبير، الطبعة الثالثة، ترجمة محمد حمدي بك، مكتبة مطبعة مصر، القاهرة 1928م – ص 40.

([2]) شكسبير: مرجع سابق – ص 61.

([3]) نفس المرجع – ص 39.

([4]) نفس المرجع – ص 33.

([5]) نفس المرجع – ص 53.

([6]) شكسبير: مرجع سابق – ص 104.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.