علاقة الممثل بصوته، وثقافته.

ورشة فن - مسرح

0 509

سعاد خليل – ليبيا

في مقال سابق، تحدثنا عن فن الإلقاء، وأهميته للممثل، وتأثيره في المتلقي الذي هو الجمهور، وكيف على الممثل أن يتبع الخطوات الصحيحة، ويفرق بين فن الخطابة وفن التمثيل؛ وسنواصل على أهمية بعض النقاط للممثل حتى يكون في المستوي الذي يريده، ويقنع الجمهور بأدائه. نعرف أن التمثيل كأي فن من الفنون يعتمد على ثقافة عامة، وعلوم خاصة، إلى جانب الموهبة الأساسية التي لابد من توافرها في الممثل كي يشق طريقه في المجال التمثيلي بنجاح.

الثقافة العامة لا يدركها الممثل بما يُدّرس له في معاهد التعليم أو المدارس والجامعات فحسب، بل لا بد له من قراءة مستمرة في مجالات العلوم والأدب والتاريخ والاجتماع والفن والمسرح.. وغيرها. الموهبة الفنية والقدرة اللغوية والفكرية والعضلية والحركية ستجد من الثقافة العامة، والدراسة الخاصة مناخًا ملائمًا يسمح لها بالانطلاق والتفتح والخلق والابداع، ولكن توجد علوم تتصل اتصالًا مباشرًا بفن التمثيل أو بعبارة أدق: فن الأداء التمثيلي، أو فن الالقاء التمثيلي.

سنأخذ جانبًا آخر من كتاب فن الالقاء للمؤلف محمد ماهر فهيم، يبين فيه أن علم اللغة، أو بعبارة أخرى فقه اللغة، الذي يتعرض للغة في نشأتها لدى الانسان ثم تطورها إلى لغة ذات قواعد واصول؛ فاللغة كائن ينمو ويتطور ويزدهر ويتعرض لكثير من الظواهر اللغوية، والدلالات الاجتماعية النفسية والتاريخية، كما أنها أداة للتفكير والتعبير. ومن هنا، كان على الممثل أن يلم بخصائص لغته وتطورها ومفرداتها ومشتقاتها، ويتصل بعلم اللغة، ما يتفرع عنه من علم الأصوات اللغوية ودراسة فن التجويد؛ ذلك أن الاصوات العربية، أو الحروف الهجائية العربية، لها خصائصها المعينة ومخارجها المحددة وصفاتها، والممثل لابد أن يكون ملمًا إلمامًا تامًا بمخارج هذه الحروف نظريًا وعمليًا، مدربًا نفسه على النطق بها في سهولة ويسر، بما يمكنه في النهاية من إخراج كل حرف من مخرجه الصحيح، وبصفاته المحددة من الجهر والهمس ومن الشدة او الرخاوة. إذن، في دراسته لفقه اللغة والاصوات اللغوية، يكون أشبه بالميكانيكي، الذي يقود السيارة، فهو عارف بخصائصها وبجزئية كل آلة فيها. علم النحو والصرف الذي يعني الأعراب وطريقة الاشتقاق في الكلمة، يجب أن لا يُغفل، فهو يمكن الممثل من أن يكون أداؤه سليمًا نحويًا وصرفيًا. إن الممثل عليه عبء كبير فهو يعبر بلسانه في صوته المسموع الذي يلتقي بأذان الجمهور، وإذن فلا بد أن يكون أداؤه سليمًا كذلك من ناحية النحو والصرف. وعليه، يجب على الممثل الذي اختار هذا الطريق أن يعيد النظر في ثقافته النحوية والصرفية، وسيجد نفسه ملتزمًا بالجانبين النظري والتطبيقي في قواعد النحو والصرف. وبذلك يتمكن من الاداء السليم نحويا وصرفيا.

لعلم النفس، أيضًا، اتصال وثيق ومباشر بالممثل، من حيث أنه يعنى بدراسة النفس الإنسانية، ودراسة الغرائز ودوافع السلوك والعواطف الانفعالات والذكاء، والشخصية الانسانية السوية، ثم الشخصيات غير السوية وظروفها، والتكيف الاجتماعي إلى غير ذلك من الأبواب التي تعين الممثل في دراسة الشخصيات المتناثرة في النص، بما يحقق له فهمًا عميقًا لكل شخصية، وبالتالي يستطيع أن يجسد الشخصية التي تمثله ويعبر عنها وعن مزاجها في إلقائه.

أما من ناحية الجمال والمتعة، تأتي علوم البلاغة العربية لتمتزج بالنصوص التمثيلية، وما فيهما من صور بيانية ومعان حقيقية ومجازية. وما لم يكن الممثل ملمًا بالبلاغة العربية؛ فإنه سيكون في قصور عن فهم كثير من النصوص التمثيلية، وبالتالي سيكون أداؤه عاجزًا وقاصرًا عن تحقيق الغرض المطلوب.

هذه إطلالة على هذا الكتاب المهم الذي يقدم فيه الكاتب أهمية الثقافة وسلامة النطق والإلمام باللغة العربية بالنسبة للممثل الذي يريد الكمال في أدائه، ولا أقصد هنا أن الكل يجب أن يصل حد الاتقان التام للغة والثقافة، ولكن من الأهمية أن يكون الفنان الممثل ملمًا بكل هذه الاشياء. على سبيل المثال، دراسة الأدب المسرحي مهمة في ثقافة الممثل من حيث كونها تلقي الاضواء على المذاهب المسرحية المتنوعة، وتجعل فكر الممثل ووجدانه متصل الأوشاج بتلك المذاهب؛ حتى يتكون له رصيد وافر من النماذج المسرحية المتنوعة والمتعددة الأنماط والسلوك بما يساعده على تقمص الشخصيات والخلق والإبداع فيها. بالإضافة إلى ذلك، على الممثل أن يُعدّ نفسه الإعداد الفني والنفسي والعقلي والحركي إلى غير ذلك من الأمور التي تناولها كثير من المهتمين بشؤون التمثيل.

في الجزء الثاني من الكتاب، والذي تناول الكاتب فيه اللياقة الصوتية للممثل، يوضح أن الممثل يمتلك عدة لياقات وقدرات تتكاتف وتلتف حول الموهبة الأساسية؛ ومن مجموع هذه اللياقات يتكوّن للممثل المبدع في فنه. أحدها اللياقة الصوتية باعتبارها أساسية وجوهرية في فن الإلقاء بصفة عامة، وفي فن الإلقاء التمثيلي بصفة خاصة، حيث تعتمد المدرسة الصوتية على إبراز الصوت، وقد بلغت أهمية الصوت عند الكثيرين ما جعلهم يعتبرونه حجر الأساس في نظامهم التمثيلي، فالصوت المعبر الجميل هو كل شيء عند أصحاب هذه المدرسة، يعلق موريس فيشمان: مؤلف كتاب (تدريب الممثل) على هذه المدرسة بقوله:

يعتبر الصوت أحد الأركان الأساسية في العرض المسرحي، ولكن الفنان الدي يجعله همه الوحيد وهدفه النهائي فنان يقضي على نفسه بنفسه، لأن الفنان يحتاج إلى تطوير قواه الخلاقة الداخلية التي تساعده على قول شيء ما بطريقة تخيلية، وإلا ظل تفسير نص الكاتب يجري دائمًا على المستوي السطحي، وتكون نتيجته صوتًا منفصلًا عن جسد صاحبه ومنغمًا بعناية ومعصومًا في أدائه عن الخطاء، لكنه لا يعبر عن شيء.

كما نعرف، بدون شك، أن فن التمثيل بمختلف مذاهبه أو مدارسه يعتمد بدرجة كبيرة على الصوت، وعليه لا يغفل الممثل أو يقلل من أهمية الصوت وتدريبه في فن الالقاء التمثيلي، ومن ثم فإن اللياقة الصوتية لها أهميتها في تكوين الممثل.

نعي أهمية القوى الداخلي للممثل من ناحية خياله وتركيزه وأهميتها في تكوينه، أما القوى الخارجية فهي تتمثل في صوته وحركاته وإيماءاته ولها أيضًا مكانها المهم في هذا التكوين. يمكن اعتبار القوى الداخلية والخارجية مظهرين لشيء واحد متكامل هو الممثل الفنان المبدع الذي يستحوذ بإلقائه وانفعالاته وأحاسيسه على عقول ومشاعر الجماهير، فلا يمكن انفصال أحدهما عن الاخر.

عندما نقول الممثل لا نقصد ممثل المسرح بل الممثل بشكل عام، سواءً كان مسرحيًا أو سينمائيًا او تلفزيونيًا أو في الإذاعة المسموعة. هنا، تختلف درجات الصوت فالمسرح يحتاج إلى أن يؤدي بصوت عالي مسموع لآخر القاعة، على العكس مما تحتاجه الإذاعة أو السينما؛ فإن الممثل يتعامل مع ناقل صوت المكروفون، وهنا عليه أن يكيّف صوته بما يكفل له الوضوح والإحساس.

الصوت هبة الله للإنسان عامة، وللممثل بصفة خاصة. هو ثروته التي بها يسلك طريق الفن الطويل الشاق، ومن ثم كان عليه أن يرعى ذلك الصوت بتنميته وتدريبه، وصيانة تلك الأعضاء التي يصدر عنها صوته كحلقه وفتحة المزمار والقصبة الهوائية ولسانه وحنجرته كل هذه من ضمن أدوات النطق لدى الانسان، وللممثل بشكل خاص عليه أن يحافظ على هذه النعم بالابتعاد عن كل ما يؤثر فيه لأنه إذا حافظ على صوته هذا ضمن طريقه إلى النجاح.

وهكذا، نرى أن ثقافة الممثل العامة والخاصة التي تأتي في مقدمتها اللغة والنحو البلاغة وأدب المسرح وفن الالقاء كلها أشياء تخص الممثل الناجح، إضافة إلى لياقته الصوتية باعتبارها أساسية وجوهرية في فن الالقاء التمثيلي. نتمنى على كل ممثل جادٍ أن يأخذ بعين الاعتبار هذه النقاط التي تطرق لها مؤلف كتاب فن الالقاء الاستاذ محمد ماهر فهيم.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.