(1917).. ابهار بصري لا أكثر

ورشة فن - سينما

0 621

حسين عبد علي – البحرين

السؤال العالق في ذهني وأنا خارجٌ من صالة عرض فيلم ”1917“لسام ميندز، هو كالتالي: ماذا لو استغنى ميندز عن فكرة إيحاء المتفرج باللقطة الواحدة المستمرة في فيلمه؟ وهي فكرة لا جديد فيها سوى كون هذا الفيلم يندرج تحت قائمة الأفلام الحربية ذات المجاميع العديدة. وهو ما يخلق صعوبة في تحقيق إيحاء اللقطة الواحدة، ولكنها – بلاشك – ليست مستحيلة ما دامت الميزانية المرصودة للفيلم تقترب من 100 مليون دولار أمريكي إلا قليلاً!.

الفيلم المنسوج بأسلوب” اللقطة الواحدة“ ليس أمراً طارئاً هنا. الفكرة ذاتها نجدها في الفيلم الحاصد على جائزة أوسكار 2015 ”Birdman“. وستجدها بشكل أو آخر في فيلم هيتشكوك ”The Robe“ الذي لم تسعفه التقنية وقتها في خلق الفيلم من لقطة واحدة، بسبب اقتصار زمن بكرة الفيلم داخل الكاميرا لـ 10 دقائق فقط، فخرج الفيلم في سلسلة لقطات كل لقطة مدتها عشر دقائق. الفرنسي جان لوك غودارد أيضاً تلّمس فكرة ”اللقطة الواحدة“ أيضاً في اشتغاله “Weekend”. بل هذه الفكرة تم تنفيذها دون تدخل عمليات المونتاج، في فيلم الروسي الكسندر نيكولايفيتش في فيلمه ”Russian Ark“ لمدة 90 دقيقة مع أكثر من 2000 ممثل في قصر وينتر بالاس بسان بطرسبرغ. وهي هي في فيلم ”Victoria“ للألماني سيباستيان شيبر لتستغرق مدة 140 دقيقة. والقائمة تطول.

فيما لو استبعدنا كون” اللقطة الواحدة“ فكرة ليست جديدة ولا مستحدثة، في ظل هناك من تمكن من تحقيقها فعلياً وليس إيحائياً عبر دمج مقاطع الفيلم مونتاجياً وتسويقه وكإنما صوّر بدون توقف. ربما تكون الضجة المصاحبة لـ ”1917“ مكمنها اختلاف أثر اللقطة عند ميندز عن باقي الأفلام الأخرى؟! ولكي لا أبدو متحاملاً على الفيلم، تجدر الإشارة أن لقطة ميندز قادرة وبامتياز على خلق توتر درامي ناجح، يجعل المشاهد مشدوداً طوال الوقت نحو أحداث الفيلم. خصوصاً عندما يرى المشاهد ما يراه بطل الفيلم، ويجهل ما يجهله الأخير. ولكن هذه الميزة تحمل في طرفها الآخر إشكالية أن تدفع بالمتلقي بعيداً عن شخصيات الفيلم. على عكس ما صرح به ميندز في أن أحداث الفيلم ستظهر في الوقت الفعلي، في محاولة لجعل الجمهور أقرب ما يكون إلى الشخصيات. فالجمهور محموم وأقرب ما يكون إلى الأحداث وما ستواجهه شخصيات ميندز وليس بالشخصيات ذاتها. في ظل الحدس الداخلي لدى المتلقي في أن بطل الفيلم جورج ماكاي والذي يلعب دور العريف ”ويليام سكوفيلد“ سيتمكن في نهاية المطاف من بلوغ مبتغاه، شأنه شأن كل أبطال سخافات هوليود.

”ماكاي“ الذي بدى مكتنزاً بطاقة ولا أروع، بدى في الوقت ذاته ضحية لـ ميندز وأسلوب ”اللقطة الواحدة“ التي لم تسعفه في تفجير طاقته، بل على النقيض تماماً، أظهرته هذه التقنية منتوف الريش وبترت الكثير من اللحظات الإنسانية التي كانت ممكن أن تشكل لـ ”ماكاي“ فارقة في الأداء والتمثيل، إلا أن هذه الميزة ذهبت تجاه حفاظ المخرج توتر إيقاع دراميته.

على مستوى السيناريو -بقصد أو دونه- يقفز للذهن رائعة ستيفن سبيلبيرغ “Saving Private Rayan“، وسؤال آخر يوازي السؤال السابق: إلى أي حد تتقاطع فكرة الفيلمين؟ في ”1917“ جنديان بريطانيان يتم إرسالهما في مهمة مستحيلة، من أجل تحذير زملائهم الجنود من الوقوع في فخ مصيدة ألمانية. أما في ”Saving Private Rayan“ مجموعة يتم إرسالها في مهمة مستحيلة، من أجل العثور على المجند رايان. إن ثمة حديث هنا عن ملحمة إنسانية وسط هول الحروب، وعن دوافع إنسانية محضة نقيضة لكل ما تذهب إليه الحرب، وعن الجانب الإنساني والعاطفي، فليسمح لي ميندز فما قدّمه سبيلبيرغ مازال عصياً على النسيان.

أكثر ما أزعجني في ”1917“ هذا الكم الهائل من استخدام الموسيقى التي صاحبت الفيلم. الإشكالية تكمن أن بعض المشاهد كانت تحمل موسيقاها الخاصة: اللهاث، التنفس، الخطوات، أصوات الحرب، الانفجارات …الخ. كلها كانت قادرة على خلق موسيقى خاصة ومختلفة وكافية للفيلم.

تظل ثمة لمعات خلال الفيلم فيما لو عزلت عن سياق الفيلم. منها مشهد الأم مع الطفلة التي اتفق تماماً مع ما ذهب إليه الناقد السعودي محمد العباس في كونه مقحماً. إلا أنه من المشاهد القليلة التي يمكن التوقف عندها، والمكثفة في انسانيتها. أيضاً يُحسب للفيلم بعض الحوارات التي كتبت برشاقة عالية وأناقة فائقة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.