سجالاتيوب: الاختلاف في لمس المعنى، كيف ومن وإلى متى؟

0 916

سماورد

تسجيل مدته تزيد عن الثمان دقائق بعشر ثوانٍ للشاعر البحريني “يوسف حسن“، والتصوير ليلي خارجي، من يجلس فيه الشاعر على كرسي خشبي والمنظر الخلفي خضرة حديقة؛ تشاركه الجلسة هرة، تسترخي مستأنسة بكل ألفة حين يمسدها بكعب ديوانه “زهرة الغسق“. بُعيد انتهاء العزف الموسيقي الذي صاحب بداية المشهد، يبدأ الشاعر قراءته:” تندو فأضطرب/ تصفو فأكتأب ….”. هذا التسجيل يمكن مشاهدته كأول فيديو تم رفعه بتاريخ 21 مارس 2020 (يوم الشعر العالمي)، على قناة “سجالات Tube”؛ التي لا تجد شيئاً يحيلك إلى معرفة ما هيتها حين تنقر فوق أيقونة “لمحة” على حسابها في اليوتيوب. في هذا الحساب، لا تجداً من الحروف المكتوبة لقراءتها – باستثناء عناوين مقاطع الفيديو – سوى:

  • كلمة ” سجالات Tube” مكتوبة باللون الأبيض محصورة بين علامتي ” < “وَ “>”، في إطار أحمر مدور الزوايا.
  • عبارة “حين يمكنك لمس المعنى” مكتوبة بالون الأحمر؛ وهي الأخرى محصورة بين علامتي ” < “وَ “>”، على خلفية أقرب إلى اللون الخزامي الواهن.

قبل التقدم خطوة لمعرفة مغزى هذه الكلمات القليلة – التي تقف خلفها مبادرة طموحة سيحاول لاحقاً التالي من السطور استجلاءها – من المفيد استحضار المعجم العربي، “تاج العروس” مثلاً، ليُقرأ منه:

السِّجَالُ: الدِّلاءُ المَلأَى والمَعْنَى قَلِيلُهُ كَثِيرٌ؛ ومِنَ المَجازِ: سَاجَلَهُ مُساجَلَةً إِذا بَاراهُ وفاخَرَهُ بَأنْ صَنَعَ مِثْلَ صُنْعِهِ في جَرْيٍ أَو سَقْيٍ وأَصْلُهُ في الاِسْتِقَاءِ وهما يَتَساجَلانِ أي يَتَبارَيانِ.

هذا معجمياً، لكن هنا، مفردة (سجالات) ما مدولوها منفردة؟ وما المدلول المتولد بعد أن لحقت بها (تيوب)، لتنتج (سجالاتيوب)؟ يجيب الشاعر كريم رضي:” ولد الاسم مثلما تولد أسماء الكتب صدفة – لم نكن نفكر في اسم – كنا نناقش امراً آخر هو كيفية عمل القناة، وردت كلمة سجالات فالتقطناها؛ لكي نضيف إليها تيوب حيث كنا نبحث عن اسم له رنين باللغتين. فيما بعد، نأتي إلى المدلول كمن يشبه أباً سمى ولده، ثم طفق يبحث عما يشحن به هذا الاسم من دلالات؛ فالحق إن الأمر ليس كله صدفة. نعني أننا في عمق مناقشتنا لما سنقوم به، جاءت كلمة سجال في معرض الحديث عن أن أكثر ما نفتقده اليوم ليس “العمل الأدبي” بل الحوار حول هذا “العمل الأدبي”؛ أي ليس ما نفتقده هو الثقافة بل المثاقفة. هناك ولا شك أطنان من الإنتاج الفني والأدبي، لكن ما نريده هو جعل هذه المادة هدفاً لحوار حقيقي. نقول سجال لنعطي ذلك حدة من نوع ما، لا بأس بذلك. حيث لا ندّعي حواراً إن لم يكن حراً حقيقياً وصادقاً مع شرط لا بد منه هو الاحترام. هذا ما نعد به على الأقل.” ويضيف في توضيحٍ لعبارة “حين يمكنك لمس المعنى” المرافقة لهذا الشعار، التي لا تخلو من إغراء:” نسعى لتحقيق دلالة هذه الترويسة من خلال جعل المعنى غير متعالٍ إلى درجة الامتناع الكلي عن التناول، وفي الوقت نفسه غير مبتذل إلى درجة السهولة المجانية. ثمة ثمن على القارئ أن يدفعه ليتصل بالمادة الثقافية، لكن دون إغلاق كامل يجعل المعنى عزيزاً على المقاربة. لذلك، تجد في القناة بساطة اللقاء المباشر مع الناس فرادى وجماعة، وفي نفس الوقت حرفية المادة الثقافية الغامضة والصعبة خاصة حين يتعلق الأمر بالشعر. ثمة نوع من التناقض القصدي توحي به هذه العبارة؛ فهناك لمس وهو مسألة فيزيقية، وهناك المعنى وهو مسألة ميتافيزيقية أو غير مادية إن شئت. ستكون القناة، أو لنقلْ ستحاول أن تكون ذلك الجسر الذي يمتد بين المحسوس والمفكر فيه، كما هو تماماً أي عمل فني جدير بالقراءة بصرياً، سمعياً أو كتابة. طبعًا هذه الترويسة ستظل تذكرنا بما نحن؛ أي بهويتنا كقناة ليست ثقافية فقط، ولكن معنية بالإنسان ككائن ثقافي أو متثاقف. عوداً على بدء، هي تلك العلاقة بين المتعالي والبسيط، في توازن دقيق، وربما هش بعض الأحيان لكنه ليس مستحيلاً.”

يبقى من الشعار لونه؛ “الأحمر”؛ هل يخفي هو أيضاً دلالات غير ظاهرة للعين؟ لكن الأمر يبدو أكثر بساطة كبساطة رد الشاعر والمسرحي مهدي سلمان: “اللون الأحمر هو لون اليوتيوب، وهو ما كنا نريد الإشارة إليه خلال العمل، أي أن انطلاقنا نحو فضاء اليوتيوب بالتحديد، والفضاء الإلكتروني بشكل عام كفضاء قادر اليوم على منحنا شيء من حرية اللقاء؛ أولاً لقاءنا بالضيف، ثم بعد ذلك لقاء الجمهور بنا، وأنت تقرأني الآن، هنالك من يفتح قناة اليوتيوب خاصتنا، ويشاهد فيديو من فيديوهاتنا، هذه الحالة المتحركة من اللقاء هي ما كنا نرغب فيه.” وبذات البساطة يجلي مهدي أي لبس عن آخر معلومة مكتوبة عن هذا الفيديو وهي تاريخ رفعه على القناة (21 مارس 2020) الذي وافق يوم الشعر العالمي ليقول:” الصدفة وحدها هي التي قادتنا إلى يوم الشعر كانطلاق للقناة، لكننا لا نعتبر أن الشعر سيكون هو الوعاء الأوسع للمحتوى، إنما نحن نحاول أن نراعي التنوع في الطروحات والمحتويات، وأن تكون قناتنا قناة ثقافية شاملة، لكن هذا لا يمنع بالتأكيد الإشارة إلى أن محيطنا الأقرب؛ وهو البحرين، هو بيئة مشبعة بالشعر. لذلك ربما دون قصد، يكون للشعر نصيب أكبر في طروحات القناة. هذا أيضاً لا يمنع من الإشارة إلى أننا باعتبارنا قناة مرئية، فإننا في كل ما نطرحه نحاول أن نقدّم صورة بصرية جيدة، وهذا يقربنا من الفنون التشكيلية والدراما كذلك بشكل من الأشكال.” وبناء على ذلك، يمكن أن تتضح هوية المتلقي الذي تسعى القناة للوصول إليه حسبما يشير إليه مهدي أيضاً: “نسعى أولاً للوصول إلى ضيوف مختلفين، وموضوعات مختلفة، وعبر هؤلاء، نسعى لمتلقين من طيف واسع، بالتأكيد ما نزال في البداية، وما تزال رؤيتنا للجمهور متحركة وليست ثابتة، لذلك، فإننا نتفاجأ في كل فيديو بجمهور جديد، قد يستمرون معنا، قد لا يفعلون، لكن في النهاية، إنهم جميعاً وسواهم، الجمهور الذي نسعى إليه.” هذا بالنسبة إلى المنظور، أما المسموع الملازم لكل المقاطع التي يمكن مشاهداتها على هذه القناة، فكان قطعة موسيقية لعود يعزف منفرداً، أراد أن نبّه إليه مهدي قائلاً: “أننا حين شرعنا في العمل بالقناة، تواصلنا مع الموسيقي الفنان حسن حداد لنحظى بـ”هبة” منه -إهداءً-مقطوعة من موسيقاه تكون خاصة بالقناة، وهذا ما حدث، نودّ شكر حداد هنا، على تفاعله معنا؛ ومن خلال ذلك، لنا أن نشير إلى رغبتنا في التعاطي مع الفنون جميعها، هو أمر اخترناه، وأمر اتفقنا عليه.”

تجدر الإشارة إلى أن بعض أعضاء فريق “سجالات” كان فاعلاً ضمن أكثر من تجرية سابقة، وفي بعض أوجهها تشابهاً (مبادرة مجاز مثالاً)، التي حاولت الاستفادة من الفضاء الإلكتروني (عبر حسابين على تويتر واليوتيوب مثلاً)، وكان آخر فعالياتها على هذين الحسابين في الأشهر الأخيرة من سنة 2016؛ لكن يبقى الاختلاف والتمايز حاضراً في “سجالاتوب” (محتوىً، أسلوباً، آلية العمل)؛ مع الحسابات الرديفة لها في أنتسغرام (اتساع الصورة)، وفي تويتر (تكثيف الكلمة)، وكذلك كونهما جسراً للمتابعين نحو اليوتيوب؛ مستفيدة من كل ذلك تأكيداً على أنها ليست امتداداً مضمراً لمبادرات سابقة بلبوس جديد؛ وهذا ما توضح كيفيته الشاعرة وضحى المسجن:” غياب المعايير يجعل أي مشهدٍ ثقافي مشهداً رخواً، وإثراء الساحة بالفعاليات ليس هدفاً في حد ذاته، ما لم نبدأ من تجارب البلد المميزة؛ لذا فإن صنع حراك ثقافي من خلال التركيز على تجارب تتميز بجودة نتاجها، والاحتكام لمعايير الجودة من أولويات عملنا في سجالاتيوب. ولنحظى بمشاركة تجارب لها تميزها؛ فكرنا في أمر نادراً ما يتم الالتفات له وهو تطويع الفعاليات لتناسب مزاج المبدع وأوقاته قدر الإمكان؛ فالهدف هو المبدع وليس الفعالية فقط. ولعل غياب الحضور الفيزيائي اختصر علينا أموراً كثيرة. المبدع يمرّ بظروف كثيرة قد تؤثر به وتمنعه من المشاركة؛ لذا يجب النظر للأمر بشكل مختلف من خلال تطويع الفعاليات من أجله؛ ليمنحنا والمتلقي أفضل ما لديه بدلاً من البحث عن بديل لحشو الفعاليات. “سجالاتيوب” ليست “مجاز”، الفارق كبير بينهما، “سجالاتيوب” قائمة على فكرة المحتوى الإلكتروني فقط، وبخصائص هذا المحتوى قدر ما نستطيع، وهي خصائص تتعلق بالوقت والشكل والموضوع؛ نحن هنا والمبدع الذي نلتقي به أكثر حرية، نعمل سوياً، ثم بعد ذلك نعرض نتاج ما عملنا عليه. كما أن الشكل هنا أكثر حرية من فعاليات القاعات التي كانت تقدمّها “مجاز”.

هذه التجربة حديثة الولادة تظل رهن الهاجس المقلق الملازم لأغلب المبادرات التي تقوم على الجهد الذاتي والجمعي لأعضائها، البعيدة عن الدعم المؤسسي؛ أياً كان نوع هذا الدعم؛ ومن أية جهة كانت حكوميةً أو أهليةً؛ هذا الهاجس المتمثل في ضمان الاستمرار والبقاء حيةً وحيويةً. هذا الهاجس ربما لا يشكل قلقاً للفريق العامل؛ فأهمية الاستمرار كما يشرحه المسرحي صادق العلوي: “أن يستمر هذا الشغف والتوق للمعرفة والبحث الدائم. نحن، هنا في سجالاتيوب، نشكل حلقة من سلسلة ستستمر بنا أو من دوننا. نحن نستمتع في الرحلة بحد ذاتها، ونحن الآن نفعل ما نظن أنه يتوجب علينا فعله حتى يأتي آخرون ليكملوا هذا الطريق بالطريقة التي يرونها. الأكيد أن هذا التوق لن يتوقف وهذا هو رهاننا. كذلك، فإننا نراهن على الحاجة الحقيقية لمثل هذا المتنفس، سواء حاجتنا نحن كمحاولين في هذا الطريق، أو حاجة المشهد نفسه والمبدعين إلى أفق من خلاله يتصلون بعضهم ببعض، وكذلك حاجة الجمهور. إن جاء يوم وتعبنا وتوقفنا، فإن غيرنا سيكمل الطريق؛ لأن وجود قنوات تصل بين المبدعين، تصل بين المساحات الإبداعية، هي حاجة مستمرة، وأصيلة، ولا تنتهي.”

حساب سجلاتيوب على اليوتيوب

حساب سجلاتيوب على تويتر

حساب سجلات على انستغرام

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.