مسرحية (إغتسال)

0 104

جاسم المنصـــــــــــوري – العراق

الشخصيات

  • غيداء …. امرأة في حالات مختلفة.
  • مجموعة أصوات.

 

المسرح مفتوح على مكان شبه فارغ الا من عمود يتوسط المكان، بعض قطع الملابس الخرقاء متوزعة على الأرض، جدار في الخلف يحمل صور لشخصيات تاريخية ثائرة وصور عائلية مختلفة، عمود يتوسط المكان، حوض خشبي أو حديدي مليء بالمياه. الزمان لا يشكل شيئا، لكن الإضاءة تتغير بين العتمة والضوء، أصوات متداخلة فيما بينها تستمر لبعض الوقت حتى يقطعها صوت فيروز (بعدك على بالي يا قمر الحلوين) تستمر الاغنية حتى ينتهي المقطع الأول …. تدخل غيداء جالسة على كرسي متحرك (تبدو وكأنها معاقة أو لأنها كبيرة في السن، ملامحها تدل على ذلك، تحمل في يدها وبالقرب من اذنها جهاز راديو، صوت الاغنية من هذا الجهاز)

غيداء:                  طلّ وسألني إذا نيسان دق الباب، اي باب ستطرق أيها المسافر دائما في دمائنا؟ اي باب؟، الأبواب ما عادت تفتح يا نيسان، خذ حقائبك وغادر، انصحك ان لا تقف على الأبواب، أبوابنا صارت مثلنا، ليس من جوع أو عطش يا سيدي نخاف، لكننا يأسنا من حاضرنا وصرنا نتباكى على ماضينا التليد، نخاف عليك من أن ينعتك الدخلاء على العروبة بالجاسوس أو المتخاذل، نخاف عليك من ان تساق الى حروب جدلية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، نخاف عليك أن تأسر على يد أبناء جلدتك، نخاف عليك من موت طائش وسيف يطالك لأنك في زمن ما كنت تغني أو ترسم لوحة أو تمثل على مسرح للأطفال، نخاف عليك أن تجلد بسياط الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر لأنك في يوم ما قرأت كتاباً للعقاد او نجيب محفوظ أو الماغوط أو لأنك حفظت شعراً لنزار القباني والسياب

تتوسط غيداء المسرح

غيداء:                  قرأت ما كتبه الأجداد من تاريخ عظيم، انبهرت كثيرا، وأنا اتصفح سنوات المجد والعنفوان، يا لهذه الأمة التي لا تلد إلا البطولة والمجد، أتخيل شوارع بلادنا شارع، شارع، اطوف بين ازقتها أشم رائحة الحبر الذي به يكتبون، اتنفس عبير جدرانها، من كتب التأريخ لم ينصفنا كثيراً، نحن أمة تداركها الله، أمة تؤمن ان المرأة نصف المجتمع لكنها تعاقبها بالسكين ان عاشت حلم العشق وجربته، نحن أمة تقدس المرأة لكنها تشنق بالعار ان فكرت بالخروج على ولي امرها وصاحب نعمتها وان كان ظالما.

غيداء:                  (تنشد بهدوء) “ما لِلزَّمانِ عَلى العُروبَةِ ساخِطاً

                                               أمْ أنَّـنا اعـتَدْنا الهَـوانَ تَطَبُّعا….

                                               ما لِلبِلادِ تَشَرْذَمَتْ حَتى غَدَتْ

                                               مِن ضَعْفِها والذلِّ باتَتْ تُصْفَعا” (1)

يقولون لنا ان غداً أجمل، كنا نصدق ما يقولوا، حتى باتت عيوننا لا ترى الا الحلم، تقول صديقتي التي سبقتي بالموت أعواما يا غيداء إحلمي، إن الغد سيكون الأفضل، وأحلم … وأحلم، حتى مللت الحلم والأحلام صرت لا أفيق من حلم حتى أدخل في حلم آخر، انتهت احلامنا جميعاً، نحن الوحيدين في هذا الكون من يقدس الحلم، بل نحن الخلم بذاته.

تضحك وهي تدفع بالكرسي المتحرك نحو العمود

غيداء:                  لو أن العمر بلا شيخوخة … هههههههه هكذا طفولة فقط، نلعب ونلعب، ونلعب

أصوات متداخلة لضحك الأطفال

غيداء:                  العذاب حينما كبرنا، الجحيم حينما كبرنا، أفكارنا تتغير، طباعنا تتغير

صوت أبوي خشن:   كوني عاقلة يا غيداء، لا تتصرفي بغباء والا

صوت آخر أنثوي:    ابنتي غيداء لا تتأخري عند صديقتك، الحياة لا ترحم

غيداء على كرسيها المتحرك تدور حول العمود

صوت:                  غيداء اكتبي الدرس والا ستكون نتيجتك الفشل.

صوت:                  غيداء ضعي حجابك على رأسك بشكل صحيح.

صوت:                  (يبدو انه يحاول اقناعها) غيداء خذي هذه الحبة وستشعرين بأنك فتاة اخرى، انها مجرد حبة دواء لا ضير فيها، وانا جربتها قبلك، انها بَندولَة لتخفيف آلام الرأس ليس إلاّ، ستشكرينني عليها بعد ذلك.

 صوت:                 غيداء امشي باحترام في الشارع ودون غنج، كوني فتاة مطيعة مؤدبة.

 صوت:                 صورة من تلك التي تعلقينها على جدار غرفتك يا غبيه؟ كوني على مستوى المسؤولية.

صوت لشاب:          غيداء دعينا نهرب من هذا العالم، انا وانت فقط، انا لا أستطيع العيش دونك يا حبيبتي، دعينا نفتش لنا عن مكان في هذا العالم الذي لا يقدس الحب ولا يحترم العشاق، انت يا غيداء امنيتي، سأكون دونك بلا وطن ولا مأوى، ارجوك.

صوت رجل مسن:    غيداء تقدم لك رجل للزواج، نعم هو يكبرك بالسن بعض الشيء، لكن هذا ليس عيباً، الرجال بما يملكون من جاه وسلطان.

صوت:                 غيداء هذا زوجك وولي نعمتك، قدمي له ولاء الطاعة، لا تخربي بيتك بيديك.

صوت:                  (وكأنه نصيحة) غيداء حبيبتي إذا لم تظهري الاحترام الحقيقي لزوجك فمن الممكن ان يتزوج عليك.

صوت طفلة:           ماما اين حقيبة المدرسة؟ اين اقلامي؟ اوووو، اين انت يا ماما؟

جميع هذه الأصوات تتداخل فيما بينها، وتتوقف عن الحركة …. غيداء تخرج من احدى زوايا المسرح … لتعود فتاة في العشرين تبدو وكأنها طالبة جامعية تمشي وسط المسرح وتتعرض للتحرش

صوت:                  الله … الله ما هذا الطول؟؟؟ سبحان الله غزال يمشي على الأرض.

صوت:                  (وكأنه يغني) قلي يا حلو منين الله جابك؟

أصوات متعددة بهذا المعنى … تعبر غيداء الى الجانب الآخر من المسرح… لتعود أمرأه تحمل بين يديها طفل رضيع، يبكي

غيداء:                   (بحيرة وحزن) “اوووو نامي … نامي …ـــ يلا تنام ريما يلا يجيها النوم.. يلا تحب الصلاة، يلا تحب الصوم.. ياللا تجيها العوافي كل يوم بيوم(2)

تكررها أكثر من مرة، تدور حول العمود وتخرج من احدى زوايا المسرح، لتدخل من زاوية اخرى بكرسييها المتحرك

غيداء:                  (للجمهور): الحياة هكذا، تركض فيها، تركض، تركض، علينا ان نكون بمستوى هذه الحياة ان لم تكن، فغادر، كنت ولا أزال أحسد أولئك القوم الذي لا يبالون بالأشياء، بالأحداث بالهموم هذه حياتي عشتها بمرارتها وحلاوتها، يبدو أنى اظهرت الجانب الحزين والمرعب منها، لكن فيها اشياء عذبة، انا لا أنسي نجاحاتي، هذه حياتي انا،             ليس بالضرورة انها تشبه حياتكم، في كل مرة أقف ها هنا

تقترب من الحوض

غيداء:                  اغسل بقايا وجعي ولهفتي بالمطر، وحده المطر يغسل اوساخنا، يجدد فينا الاشياء الجميلة، أحب المطر، مثلما أحب ضفائري وانوثتي واحلامي، المطر يخلصني من حزني (تقرأ) “في رذاذ المطر الناعم

                           كانت شفتاها

                          وردةً تنمو على جلدي’

                          وكانت مقلتاها

                          أُفقاً يمتدّ من أمسي

                           إلى مستقبلي…

كانت الحلوة لي

كانت الحلوة تعويضاً عن القبر

الذي ضمّ إلها

وأنا جئتُ إليها

من وميض المنجلِ

والأهازيجِ التي تطلع من لحم أبي

ناراً… وآها” (3)

غيداء:                  (بحزن) لكن المطر هذا العام تأخر …تأخر كثيرا، تأخر مثل بقية الأشياء التي تأخرت، أولادي تأخروا ايضاً، على طاري أولادي، يوم أمس ذهبت بجهاز هاتفي النقال الى السوق، عرضته على أحد التقنيين لتصليحه، قال لي يا حاجه هاتفك يعمل بصورة جيدة ولا يحتاج الى تصليح، قلت له: إذا لماذا لا يتصل بي أحد ابنائي؟ ولم يتصلوا، وما نزل المطر، وما نزل المطر ….. وما نزل المطر

تنزل من الكرسي المتحرك لتدخل في الحوض ويضل رأسها الى الخارج

إظلام

   

 (1)  من قصيدة للشاعر عطا سليمان رموني

(2) ترنيمة لنوم الاطفال.

(3) من قصيدة للشاعر محمود درويش

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.