قيامة الناي

ثلاث قصص قصيرة

0 336

فيصل الهذلي – السعودية

الإطار

سأله وقد اجتاح الحماس صوته:

–  هل قلت بأنك رصدت ذلك؟

–  وهل تظن بأنك الوحيد المبصر هنا؟

 –  لم أقصد.. هل رأيت تلك الأقدام؟ كنتُ منتبهًا إلى إيقاع تلك الأقدام الصغيرة. كانت تختلق شيئًا؛ عزفًا؛ لا أعلم.

–  أما أنا فكنت أتأمل تلك الوجوه الضاحكة التي كانت ترتفع ثم تهبط وفقًا للإيقاع الذي تصنعه تلك الأقدام. هاهو وجه يرتفع، ثم يهبط. إن الصورة تتحرك ببطء. يمكنك تأمل عينيه. هل لاحظت ذلك؟ إنه ينظر إلينا. انظر إلى مسار بصره كيف يناور تلك الرؤوس الصاخبة بحركة عشوائية!

–  بل انظر أنت إلى قدميه. إن ذلك الطفل يتقدم نحونا.

–  نعم أرى وجهه يتجاوز الحشود.

–  ما بك؟ ما الذي أربكك؟

–  لا أعلم، أتساءل ما أول كلمة سيتفوه بها!

–  وما أدراك أنه يتحدث العربية؟ هو مجرد طفل إفريقي لا يعلم أن هناك عربا!

–  ها هو يصل.

–  ما الذي قاله؟ ما هذه اللغة؟

–  إنها إحدى لغات قبائل الهوتو الإفريقية.

–  لكن ما الذي قاله؟

–  لقد قال: أنتما تكثران الحركة، وأخشى أن تتجاوزا إطار اللوحة قبل أن أتم رسمتي.

في غرفة التحقيق

…  فأجاب قائلاً:

  • نكاد نعبر إلى الماضي حين نسمع أغنية، أو نشاهد صورة.. نكاد نعبر لكن الجسر الذي امتد في تلك اللحظات ينهار فجأة.. فنسقط، بل نهوي من على عرش تلك اللحظات التي أقسمت أرواحنا أثناءها بأنها شاهدت فيها جسرًا يمتد إلى الماضي المبارك، ورأت ما كنا عليه حين كنا أطفالًا.

قاطعه المحقق:

  • لكنك لم تجب على سؤالي، لماذا قتلت ذلك الطفل؟

صمت طويلًا مطرقًا برأسه وهو يتأمل قيدين معدنيين في يديه، ثم ارتفع رأسه وأجاب:

  • ذات مرة، شاهدت صورة احتشد فيها الماضي بلونيه (الأبيض والأسود)؛ لم تكن تلك الصورة تخصني إطلاقًا. لا أعرف صاحبها، لكنها لأحد المليارات من البشر الذين تقطعت بهم سبل العودة. تأملتها طويلًا، ثم رفعت رأسي ونظرت يمينًا فوجدت جسرًا قد امتد إلى هناك.

عبرت الجسر حتى نهايته؛ وفي الطرف الآخر، الذي تفصل بيني وبينه هوة ساحقة، رأيت ذلك الطفل الذي كنتُ عليه. إنه أنا. لقد كنت طفلًا ذات يوم!

كان جالسا وقدماه ممتدتان باتجاه الجسر. كان يلهو بحفر الأرض بين قدميه. ناديته بأعلى صوتي، لكن رأسه لم يرتفع أبدًا، لقد كان مستمرًا في حفر الأرض حتى ابتلعته تلك الحفرة!

أرأيت؟ لم أقتل ذلك الطفل، بل ظل يحفر حتى ابتلعته تلك الهوة!

دائرة

كان يصرخ في الأفق الذي امتلأ بخطاب “الرسائل”:

“الأمر يتعلق بالدائرة. إنها دائرة تحاصرك. دائرة من الآلام والمعاناة. أنت لا تجرؤ على المغادرة لأنك تحاصر نفسك بالشكوك والريبة. أنت من صنع هذه القيود. انظر إلى هذه الوجوه القاتمة!

أنت لا ترى إلا ما يتخلق داخل دائرتك. ولو اعتليت مرتفعًا لشاهدت نهاية لذلك. إنه حد أسود من الخوف الذي يمنعك من المغادرة. نعم إنه حد أسود دائري. انظر إلى ما بعد ذلك الحد.

ماذا؟ هل قلت إنك وجدت مرتفعا؟

هل صعدت؟

هل تراني؟ إني ألوح بيدي. نعم الآن أستطيع أن أراك، وبالكاد فعلت ذلك. هيا اركض نحو النعيم.. اركض. نعم تابع الركض. لا، لا، لا تتوقف.. لماذا؟

لماذا توقفت؟

أين أنت؟

ابحث عن مرتفع آخر…

أرجوك..

هيا إلى الحرية

نحن هنا. هل تسمعهم؟

لقد كانوا مثلك أسرى

إنهم في النعيم الآن!

انظر إلى هذا. هه إنه ثمل!

نعم لقد خرج لتوه بعد ان انغمس في نهر من الخمرة!

مهلاً، أهذا أنت؟!

ارجوكم اصمتوا لقد عاود الاتصال …

ماذا؟

هلا أعدت ذلك؟

هل غادرت؟!

لكن أين أنت؟

هل قلت أرض الحرية؟!

كيف ذلك؟!

ماذا؟ هل تعني أن عليّ أن أبحث عن مرتفع؟!

ولكن …

ماذا؟

حسناً أمهلني قليلًا …

نعم … الآن اعتليت مرتفعا … يا إلهي إني في دائرة أخرى!

لهذه الدائرة حد دائري يحاصرها. كنت أظن …

كنت أعتقد بأني حر …

هل ذلك أنت؟!

هل أنت من يلوح بيده؟!”

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.