“النوم إلى جوار الكتب” متعةٌ مليئة بالرؤى تدفع للتأمل

0 707

عبد الوهاب أبو زيد – السعودية.

هذا كتاب لا يُقرأ على عجل؛ بل يُرتشف قطرة قطرة، وعلى مهل؛ فهو يحكي جانبًا مهمًا من رحلة كاتب محب، ليس للكتب بكل ما تحويه من معرفة وإبداع واختلاف فحسب؛ بل لكل التمثلات الجمالية التي تزخر بها الحياة بالعديد من مفرداتها وجملها، التي لا يُحسنُ قراءتها إلا الراسخون في تأويل ظلال المعاني. ولا شك، أن لؤي حمزة عباس واحدًا من هؤلاء.

كتاب “النوم إلى جوار الكتب” -الصادر عن دار الرافدين بالاشتراك مع دار شهريار في العام 2017- بصفحاته الـ (108)، ومقالاته الـ (23)، يأخذنا في رحلة ماتعة، في فلك الكتب والكتّاب بشكل أساس، ولا تقف تلك الرحلة عند هذا الحد، كما قد يوحي عنوان الكتاب.

في المقالة الأولى، التي يستمد الكتاب منها عنوانه، وفي نص تأملي عميق وحميم في الآن ذاته، نقرأ بصيغة الغائب عن شخص ينام في غرفة المكتبة منذ أكثر من عشرين عامًا، فيما يشبه الفردوس الشخصي؛ محاطًا برفوف الكتب، وأرواح المؤلفين التي ترفرف في زوايا المكتبة. ولأن صاحبنا مؤلف وكاتب أيضًا؛ فهو يؤكد أن سيرة الكاتب ليست سوى رحلته مع الكتب. تلك الكتب التي تختزل وتحضر على هيئة “كتاب وحيد في حياة الكاتب مثل نجم في ليل الرغبة”؛ فيغدو هذا الكتاب المقصود “تمثيلًا لكل الكتب”. في هذه المقالة أيضًا، يقول كاتبها إنه لو كان لهذا الشخص أن يختار كاتبًا واحدًا، بوصفه ممثلًا لجميع الكتّاب على مر العصور، لما تردد في اختيار الجاحظ، الذي سعى إلى تأكيد رغبته في الاختفاء مع كل كتاب يؤلفه؛ بخلاف ما ينشده الكتّاب عادةً من رغبة في الظهور وتحقيق للذات؛ حتى كأنه يري من القراء مشاطرته الظن في أنه لم يكن هناك جاحظ بعينه، و”إنما هو العبقري الذي كتب ليُنسى، وقد لبس الجاحظ رداءً والبصرةَ منزلًا والبلاغة حجة وآلة”.

في المقالة الثانية، “الأدب والعالم”، يتطرق الكاتب لمسألة علاقة الأدب بالعالم، ويشير إلى أن الواقع بات أشد تعقيدًا وأكثر تحولاً من الأدب؛ لأن “أسئلة الواقع أشد فاعلية وأعنف وقعًا وعجائبية من أسئلة الأدب”. وفي إشارة إلى طغيان وهيمنة وسطوة العنف على وجه التحديد، يقول الكاتب إن “كل رقبة مقطوعة توسّع الشق وتفتح الهوة بين دور المثقف وأدوار السكين”. غير أن ذلك لا يعني بالضرورة أن الأدب والواقع منفصلان، أو أن الأدب يوجد بمعزل عن واقعه الذي انبثق منه وتفرع عنه، ومهما حاول الأدب “النأي بنفسه والتحليق في سماوات التجريب” – كما يقول المؤلف – فليس هناك مفر ولا انعتاق من الواقع؛ لأن الصلة بينهما قائمة “ولا مجال لمسافة فاصلة”.

تتوالى مقالات الكتاب؛ فنقرأ فيها احتفاءً بمجموعة من الكتّاب مثل نجيب محفوظ وفؤاد التكرلي ومحمد خضير وعبدالزهرة زكي ونجيب المانع، عبر الحديث عن بعض أهم كتبهم. كما نقرأ مقالات متنوعة، بعضها يدور في فلك الفن، وبعضها الآخر ينصرف إلى الاحتفاء بالمكان وثقافته ومفرداته الحياتية الآفلة. وهناك المقالات/المراثي الشجية التي يستعيد فيها الكاتب ملامح بعض من رحلوا عن عالمنا بأجسادهم، وظلت أرواحهم ترفرف ما بيننا، وتتسلل إلينا من كوى الحروف التي سطروها، والذكريات التي تركوها وراءهم.

“النوم إلى جوار الكتب” كتاب ممتع، ودافع للتأمل والتفكير، ومليء بالرؤى العميقة والطرح الرزين. إن كان من مآخذ على الكتاب فهي كثرة الأخطاء الطباعية، وجنوح الكاتب للفقرات المطولة جدًا، قد يمتد بعضها على صفحتين أو أقل قليلًا؛ وهو أمر مرهق للقارئ، خاصة أن أسلوب الكتابة يتسم بمراعاته لجمالية اللغة ونصاعتها، فضلًا عن الطرح العميق. غير أن كلا هذين الأمرين لن ينغص على القارئ، ولن يُنقص من متعة قراءة هذا الكتاب الذي لن يخرج منه إلا وقد ازداد حبًا للكتب والأدب والفن والجمال.

<strong>الدكتور لؤي حمزة عباس</strong>

قاص وروائي وناقد عراقي، أستاذ الدراسات العليا بكلية الآداب – جامعة البصرة، صدر له:

دراسات ومقالات:

سرد الأمثال، سلوان السرد، المكان العراقي/ جدل الكتابة والتجربة، بلاغة التزوير، الكتابة/ إنقاذ اللغة من الغرق، كتاب الصور/ مرويات عراقية، النوم إلى جوار الكتب، حياة تتهدد.

قصصاً:

على دراجة في الليل، العبيـد، ملاعبة الخيــــول، إغماض العينين، حامل المظلّة، قرب شجرة عالية، مرويات الذئب، خيالات قصصية، لقطة قريبة لعين الغزال.

روايةً:

الفريسة، كتاب المراحيض، صداقة النمر، مدينة الصور، حقائق الحياة الصغيرة.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.