في معنى الشجاعة

0 483

عبدالله الحاجي – السعودية

“العظمة أن تستمر في فعل الأشياء العظيمة ‏لأنها لو كانت في أن تفعل شيئا عظيماً لكان كل الخلق عظماء، لأنهم لابد قد فعلوا على الأقل شيئاً واحداً عظيماً في حياتهم، من هنا فإن الوضاعة ليس في ان تأتي بفعل وضيع وإنما في أن تستمر في الوضاعة”

هذه الفقرة وردت في رواية “طعم الذئب” للكاتب الكويتي عبد الله البصيص، لكن الرواية تحمل الكثير مما لا يمكن اختزاله عبر اقتباسات تقطّع الرواية وتحيلها إلى وصلات متناثرة. غير أن السؤال هو: ماذا أراد الكاتب أن يقوله في “طعم الذئب”؟ فيما يلي محاولة لمطالعة جانب مما يمكن قراءته من هذا العمل.

منذ البداية لفتني عنوان الرواية، لماذا اختار الذئب؟ أكان يعني طعم الشجاعة؟ لكن الرواية تبدأ بأكبر مقدار من الإذلال والمهانة والعار قد يتعرض لها بطل رواية، مما أزاح الفكرة عن خاطري. وبعد أن أنهيتها لم أجد عنوانًا أنسب مما اختاره الكاتب. وخلال رحلتي، وفي كل مرة كنت أحاول أن أتوقع سير الأحداث، أجد حيل الكاتب تخرج واحدة تلو الأخرى لتفاجئني. اللغة الصحراوية معبرة، رسمت مشاهد صورية بالرمال لا تنسى. إضافة إلى الرمزيات التي كانت أوضح من الشمس، والرمزيات المختبئة خلف السطور. الصراع الإنساني الحيواني، صراع مرير، واختيار الذئب لتجسيد الصراع كان مناسبًا لطبيعة الرواية وفلسفتها. أحداث الرواية تصاعدية لتوصلني لنهاية قد تكون غرائبية.

تدور الرواية حول ذيبان، بطلها، ولكن ليس بالمعنى الحرفي لمسمى بطل، هو الطرف المنبوذ والمثال المضاد لكل قصص الرجولة والشجاعة. ذيبان متهم بجريمة قتل تستوجب القصاص من روحه، ومُبتلى بجريمة عشق ذبحت قلبه الغضّ مبكرًا، فهرب من الموت والعار باتجاه المجهول، ولكنه لم يكن يعلم أن ما ينتظره في الصحراء سيُغيره وبالتالي حياتَه، أن عليه أن يتذوق طعم الذئب. اختار الكاتب حياة البادية – كإطار لتدور فيها الأحداث بقسوة طبيعتها أهلها المعروفين بالشدة والبأس – تخرج منها شخصية جبانة من هذا المناخ المحيط بها. لماذا وجد ذيبان؟ ليتعلم الدروس أم ليعطيها؟ ولماذا هرب باتجاه الصحراء؟

تبدأ الرواية بفصل أول حول حياة البادية، ووفاء وبسالة وشجاعة أهلها، وقسوة رجالها، ووصف حول الجبن المذل القاسي بالنسبة لصاحبه، تنتقل وتتسلسل الأحداث في الفصل الأول لوضع أساس هذا العالم. نقص رجولة ذيبان يبدأ من وصف الجميع له بالضعف، في حين أن كل ما يريده هو السلامة. الخطر يتبعه في كل خطواته، مخالفًا لأعراف ورواسخ موجودة لدى من حوله؛ لتتجه في فصل ثانٍ إلى وصف صراع ذيبان والذئب في حفرة، صراع يغير معنى واحساس القارئ بالهواء والتنفس. تختم الرواية بفصل أخير فلسفي، مليء بالحياة، عن الجبن والشجاعة، عن الجوارح والمشاعر وشراستهما وكيف تتم معالجتهما فلسفياً. هي رحلة بحث عن الذات، عن الحياة، عن الحقيقة، حقيقة الحياة، وحقيقة العالم بأكمله. ففي إحدى اللحظات يجد ذيبان نفسه مثقلاً بالجراح، بالمآسي متسائلاً عن سبب حدوث كل ذلك له. هل الإجابة في عادات قبلية، في فهم مختلف للحب ومكنونه، فهم مختلف لقوة الرجال، وفهم مختلف لأنوثة النساء، أم في مكان آخر يصعب فهمها كما وقع في نهاية الرواية. مآسيه تجلت في كونه مذنبا بسبب طريقة تفكير من حوله، وفي صراعه بين البقاء على طبيعته وسط هذا الضغط أو التحول لشخص مشابه لهم.

فهل الشجاعة أن يرمي الإنسان نفسه للموت لأتفه الأسباب، أم أن يدافع عن حياته ورؤيته لها بكل شراسة؟

وفي الختام، يحزنني أني ظلمت شخصية ذيبان كما فعل الجميع.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.