نقد إسرائيل: الممنوع باسم القانون – جزء 1

حجر رشيد-فلسطين وجسر من نور

0 666

جون ستارن- فرنسا

* محمد فتيلينه-الجزائر

منذ سنوات كانت إسرائيل خطا أحمر في الإعلام الفرنسي بشكل خاص والأوروبي بشكل عام، لكن مع تسارع السنين، وانفتاح العالم على بعضه من خلال الإعلام ووسائط التكنولوجية الحديثة تغّيرت تلك الصورة، وباتت إسرائيل أصغر ما تكون من أي وقت آخر، وتناقصت حملتها الدعائية بسبب تناقل صور ما يجري في الأراضي الفلسطينية من ممارسات عنصرية من الجيش الإسرائيلي. هذا المقال رغم كثافته يبرز بعض تلك الصور النمطية التي تغيرت بفعل تأثير الإعلام وتبدّل نظرة اليهود أنفسهم نحو أهم قضية تشغلهم في القرن العشرين، إلا وهي مشروعية إسرائيل ومبررات وجودها[1].

المترجم.

مقال مترجم للصحفي الفرنسي “جون ستارن Jean Stern“، الذي ولد سنة 1956 بفرنسا، وعمل صحفيا في عدد من المنابر الإعلامية. اشتغل كرئيس تحرير بجريدة ليبراسيون الشهيرة، ومديرا بيداغوجيا لمدرسة الصحافة بـ باريس بين 2007 و2013.

نشر سنة 2012 كتابه “رواد الصحافة الوطنية، كلهم سيئون” في دار ليبرتاليا للنشر، وفي سنة 2017 كتابه “سراب المثلي في تل أبيب“، وفي 2020 “الرمضاء“.

***

   نقد إسرائيل اليوم، يشكل مهمة خطيرة، وهو في الجانب الظاهري على الأقل نجاح كبير لأولئك الناشطين في ميدان عدم إضفاء الشرعية لمن يعارض “نقد إسرائيل” [بما فيها] الأسئلة عن سياسة الحكومة الإسرائيلية. اللهجة التي تمّ تقديمها مفادها هو: الدفع باتجاه نسيان القضية الفلسطينية لصالح علاقات سياسية واقتصادية متجددة، كما أن الرأي العام الفرنسي لا يعبأ كثيرا بما يجري.

(تحدّثت بما يكفي عن الموضوع)، (لا أتحدث عن هذا الموضوع)، (ماذا تريدني أن أقول لك بخصوصه)، (لكم الحق لكن المعركة خاسرة)، (حظا موفقا في الدفاع عن قضيتكم) … هذه الإجابات الأكثر لباقة من المستجوبين.

    إذا رغبت في سؤال أصحاب القرار من منتخبين وقادة حول العلاقات بين إسرائيل وفرنسا، عن لوبي محتمل (لأنه حتى استعمال هذه المفردة يثير النقاش والتساؤل) للدفاع عن إسرائيل يدعو إلى طرح كان بعيدا عن الأضواء. بهدف انجاز هذا التحري تواصلتُ عبر الإيميل والهاتف مع حوالي مائتين (200) شخصية في الفترة ما بين فبراير ونوفمبر 2020، أقل من ثلاثين شخصية منهم ردّوا على أسئلتي.

انصرف ليس هناك شيئا ليقال، [هذه الجملة تختصر فحوى الأجوبة]

ثامن مورّد للسلاح في العالم:

مع ذلك، هي قصة طويلة تلك التي تحكي علاقة فرنسا بإسرائيل، إذ تعود إلى أصول [ما يعرف بـ] الصهيونية، وترتبط بقيام دولة إسرائيل ونشأتها سنة 1948، بالنسبة لكثيرين من الشهود الواعين فإن السياسة الإسرائيلية الحالية تبدو [أكثر] فظاعة وتم طرح السؤال “ماذا أنجب الحُلم الصهيوني؟ الكثير من عربات الـ “كاتيربيار” المصفحة وبرامج لمراقبة المعارضين” هكذا اختصر روني برومان، حقائق قائمة على أرقام:

  • إسرائيل هي ثامن [بلد] مُورّد للسلاح في العالم، بحسب تصنيف معهد ستوكهولم لبحوث السلام العالمي م.س.ب.س.ع Sipri، ومساهمته في هذا السوق يزيد بشكل مضطرد.
  • مبيعات كبريات مؤسسات إسرائيل للتسلح مثل (إلبيت سيستامز، إسرائيل آيرو سبيس اندوستريز، ورافئيل) ارتفعت إلى 8.7 مليار دولا أي ما يعادل 7 مليار أورو سنة 2018. كما أشار م.س.ب.س.ع Sipri أن ثلاثتهم ضمن المائة (100) شركة عالمية الأولى للتسلح العالمي.

    اسمه روني بريمان، وُلد سنة 1950 في القدس، فيها ترعرع وواصل دراسته ليصبح طبيبا، ترأس لمدة طويلة منظمة “أطباء بلا حدود”، وأحد الناشطين البارزين في الجانب [الخيري] للمنظمة، هو أشبه بالضمير الكبير، رجل منفتح واجتماعي ومهتم بكل شيء إنساني، ساهم رفقة “إيال ستيفان” سنة 1999 في إنجاز فيلم وثائقي عن قضية أدولف آيخمان “الـ مختص”. بحسب ما جاء في كتاب حنّا آرنيت بعنوان ” آيخمان في القدس” فإسرائيل هي (البلد اليميني المتطرف الوحيد في [العالم] العنصري بشكل صريح والذي يُعامل في الغرب كديمقراطي، وهذا [لا ريب] يمثل نجاحا ديبلوماسيا لإسرائيل، لكنه نجاح يدعو لإعادة التفكير والنقاش. يتخلى اليهود الأمريكيون بشكل متسارع عن مناصرتهم لإسرائيل، كما حرّمت المعابد [اليهودية] جمع التبرعات فيها لصالح الجيش الإسرائيلي، وأمسى الأمر موضوعا مقلقا لعدد متزايد من اليهود حول العالم).

الإرهاب الفلسطيني:

  ليس فقط بالنسبة لليهود في فرنسا والولايات المتحدة  “هناك إحساس بالظلم يراود أجيالا عربية شابة، وهو مُعطى مهم جدا في هذه المنطقة من العالم”، يقول  غويندال رويار منتخب برلماني عن (الجمهورية إلى الأمام) لمنطقة لوريون في “موربيهان”، هذا يُنمّي الشعور بالاستياء، عندما أقول هذا فإنه يعاودني الشعور بكوني محاربا قديما، وهذا الخطاب هو بالتأكيد جوهر النقاش الحالي، فمع هذا الشعور بالظلم ضد حقوق الفلسطينيين، فإننا نبالغ في عدم فهمنا [للأمر] هذا، ولهذه الإهانات التي نخطئ في تقدير تأثيراتها على القرارات السياسية في البلدان العربية. ليس الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني شيئا هامشيا بل هو قضية جوهرية. كما أن اللوبي المساند لإسرائيل ومناصريه يقومون بكل شيء من أجل تسفيه الأمر والدفع به إلى النسيان، ومحاولة الزج به وتصويره كجزء من حلقة الصراع الشامل بين الإرهاب الإسلامي والغرب، واستثماره في أرض خصبة يربو فيها [ما يعرف] بمعاداة السامية في كل مكان تحت غطاء معاداة الصهيونية.

خلال عشرين سنة، تغيّرت شبكة التحليلات المهيمنة حول الصراع ومقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال تم تقديمها من طرف مساندي إسرائيل على أنها شكل من أشكال الإرهاب. وتم بيع أنظمة مراقبة تحركات [الأفراد] والشعوب إلى العالم بأسره، بعدما تم اختبارها من طرف [شركة] ستار آب ناشين ضد الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة، والتي استحضرها “برومان” بعد أن بيعت لبلدان مثل الصين (اللتان لا تعتبران بلدان ديمقراطية).

ليس هناك “لوبي” يهودي:

    لا يجدر بنا أبدا أن ننسى أنه منذ نهاية القرن التاسع عشر، ناصب عددٌ معتبر من اليهود العداء لـ[لحركة] الصهيونية، بدايةً من المناضلين الشيوعيين و”بوند” (مؤسس المنظمة التي تدافع عن اليوديش والمناهضة للصهيونية في مطلع الأربعينيات في بولندا)، وكذا الفيلسوف والمُنظّر اليهودي الألماني الكبير “مارتن بيدار“، الذي يعتقد [جازما] أنه لا يمكن أن تقوم دولة على أرض فلسطين دون العرب، ويناضل من أجل دولة مُوحدة، وهو الذي كان على ما يبدو حلما طوباويا، أصبح إمكانية تحقيقه اليوم كبيرة، على الرغم من [مرور أكثر من] 70 سنة على الاستعمار [الإسرائيلي]. شخصية مارتن بيدار الاستثنائية، والتي ألفت كتاب “أنا وأنت” أثرت على أبرز شخصية أمريكية سمراء مارتن لوثر كينغ، لا يستطيع أن يتخيل الصهيونية مع العدالة، وكتب ذلك بإصرار في كتابه “أرض لشعبين”، الذي أعيد نشره سنة 1985، في دار “ليون كومان”: (ما يعلمنا إياه الإنجيل بكثير من البساطة والعمق، والذي لا يمكن تعلّمه في أي كتاب آخر أن هناك الحقيقة والكذب، وأن الوجود الإنساني مرتبط بحتمية الحقيقة لأننا نجد فيها كل من العدالة والظلم وأن إنقاذ البشرية يكمن في اختيار العدالة ورفض الظلم). لكن العائق الذي هو جزء من [نظرة] روني برومان-والبعض الآخر في فرنسا، وهم قلة في مسألة التعبير بشكل علني على العكس ما هو واقع في الولايات المتحدة – عن “الظلم” الذي يثور عنه [من أمثال] غويندال رويار وآخرون من المنتخبين السياسيين (وهم أكثر عددا مما نستطيع تخيله، لكنهم صامتون بشكل مخزي)، إذ ليس لهم الحق في قول شيء، ما دام التيار الداعم لإسرائيل يهيمن على الرأي العام الفرنسي.

    نقد إسرائيل اليوم، يشكل مهمة خطيرة، وهو في الجانب الظاهري على الأقل نجاح كبير لأولئك الناشطين في ميدان عدم إضفاء الشرعية لمن يعارض “نقد إسرائيل”.

    نشر باسكال بونيفاس ما يلي: هل مسموح بنقد إسرائيل؟ في 2003 كتب روبير لافون مدير “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية IRIS” أنه (ليس هناك لوبي يهودي، لأن الجالية اليهودية في فرنسا ببساطة متعدّدة ومتنوعة، لكن هناك بالتأكيد لوبي مساند لإسرائيل منخرطوه من اليهود وغير اليهود).

عندما نتحدث عن هذا الأمر اليوم، فإن باسكال بونيفاس يعتبر أن الأشياء أمست معقدة أكثر مما كانت عليه قبل 17 سنة مضت، وأصبح النقاش أكثر حدة وهو يؤكد  قائلا: كان من العسير عليّ أن أنشر سؤالا هل مسموح [لي] بنقد إسرائيل؟ في سنة 2003، وأصبح عسيرا على الطبقة المثقفة “المزورة” قول ذلك في 2011. أنا الآن شخص غير مرغوب فيه بالنسبة لكثير من وسائل الإعلام.

الإسلاموفوبيا أفضل دعاية:

    ثم هناك هذه الجلبة المتأتية من العمق، التي يصفها بمفردات بسيطة أستاذ جامعي (يُحبّذ أن يُبقي اسمه سريا)، وهو عارف جيدا بالمنطقة: (النقاش حول اللّائكية، يتغذى من مشاريع قانون مثل المرتبط بالانفصال، وكذا تتغذى من خلاله التيارات السياسية (بصورة خاصة حزب الربيع الجمهوري) إذ هناك رابط بين الهجوم الذي يتعرض له كل مساندي فلسطين في فرنسا والهجوم على الحجاب والمسلمين، وهؤلاء ذاتهم من يُغذّون الإسلاموفوبيا، بعدما جلبوا الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى فرنسا بشكل يدعو للمفارقة. بالنسبة لدوائر الضغط الداعمة لإسرائيل لا يتعلق الأمر بنجاح حقّقه الذات ولكن بنصر جزئي على الأقل. نحن بعيدون من الدعاية لصالح طرفين بفضل جهود العديد من المواقع الإليكترونية الفرنكفونية الإسرائيلية مثل: JSS والعالم اليهودي.أنفو، ودروز.أنفو الذي يقوم بالتدليس وتلفيق الأخبار، ويقوم أحيانا بممارسة التحرش والكذب ضد كل من “العربي” و”المسلم” على حد سواء).

هذه المواقع تمارس ما يعرف بـ “بيننا” بشكل محدود، بتأثير من الجالية الفرنكفونية في إسرائيل. هناك حوالي 50 ألف يهودي من أصول فرنسية، يعيشون في المستوطنات الإسرائيلية، أغلبهم يشعرون بالملل المستمر داخل شققهم المُكيفة وأحيائهم المُسيّجة، مهمتهم إغراق الشبكة العنكبوتية على مدار الساعة بأخبار عن إسرائيل أغلبها مُلفق، ومثال ذلك، ما قاموا به سنة 2014 حينما نشروا خبر الشاب الفلسطيني محمد أبو خضير، وقالوا إنه تم ضربه ثم حرقه من طرف فلسطينيين لأنه شاب “مثلي جنسيا”، والحقيقة أن مستوطنين إسرائيليين قاموا بتصفيته.

….

* محمد فتيلينه

روائي ومترجم من الجزائر. مقال جائزة الطاهر وطار للرواية العربية ٢٠١٩ عن مخطوطه (ترائب رحلة التيه والحب له أكثر من تسع روايات: بحيرة الملائكة/احلام شهريار/ غبار المدينة/ تيمو (باللغة الفرنسية) خيام المنفى/ قلب أسمر/ كافي ريش/ رعاة أركاديا، وله ترجمة لرسائل بروست غير المنشورة

[1] https://orientxxi.info/magazine/les-critiques-d-israel-etouffees-par-la-loi-du-silence,4411

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.