الإخراج المسرحي فنا وجماليات

0 968

سعاد خليل – ليبيا

عندما نتطرق إلى الاخراج المسرحي، علينا أن نذكر أن هناك منهج بين الممثل وبناء الشخصية، وأن ندرك أن النظام للعمل المسرحي منذ ستانسلافسكي هو جزء من العملة المسرحية، وعلى المخرج أن يهتم بإحدى المدراس والمناهج الإخراجية، منذ ستانسلافسكي حتى التجريب المعاصر أو الحديث. فكل من يهتم بالفنون المسرحية ومطلع على منهج ستاسلافسكي في كتابه إعداد الممثل أو كتابه بناء الشخصية الذي يعتبر تكملة لكتابه الأول المذكور واعتبره الممثلين ضمن أساسيات الإعداد المسرحي واتخذوا منه منارا للأداء التمثيلي والتلقائي.

وفي هذا المقال دراسة من تأليف زيجمونت هينر عن جماليات فن الإخراج حيث نتجول مع الكاتب بين المناهج المتتابعة عبر تاريخ المسرح بحثا عن جمالياته، التي جمعها في كتاب من ثمانية فصول وأفرد فصله الأول لمشكلات تعريف ظاهرة الإخراج بحثا عن تعريف عام لعمل المخرج، وهل يخضع لمفهوم الفن أم أنه نوع من تنظيم وترتيب المجموعة المسرحية لتجسيد ما أبدعه المؤلف؟ وهنا يتعدى هبنر المفهوم العام للمخرج المسرحي ومشكلاته إلى المخرج السينمائي والتليفزيوني والإذاعي بل ومخرج الاحتفاليات الشعبية والرسمية وكذا الطقوس الدينية.

وفي الفصل الأول يرى أن المخرج السينمائي مؤلف ثاني فهو يؤلف بالكاميرا، فهل المخرج المسرحي له شخصية المؤلف وإبداعه؟ يرى الكاتب أنه كذلك حين يكون مبدعا لكائن جديد هو العرض المسرحي، فهو قادر بمواهبه وثقافاته أن يقدم رؤية جديدة ذات منظور اجتماعي معاصر من خلال نبضات النص الدرامي، وقد طرح هبنر بعد الأمثلة للمخرجين المؤلفين أمثال (بتر بروك) وشانيا.

أما في الفصل الثاني والذي عنوانه لمحة تاريخية لفن الإخراج ومفهومه فهو يسأل: هل ما نسعى إليه هو مجرد التحقق من وجود تسمية المخرج في التاريخ؟ فهو يرى أن التزامات ومسؤوليات المخرج تختلف باختلاف المسرح ذاته. ثم يغوص في قضية الخلاف بين حداثة فن الإخراج وأنصار وجوده بوجود المسرح في نشأته الأولى، ويبحث ويحقق أدلته على وجود مهنة المخرج مند إسخيليوس. ومهمة الإشراف على العرض واختيار الممثلين هي في الواقع مهمة المخرج. ثم يتوقف هبنر طويلا عند عصر النهضة وما منحه للمسرح ومخرجيه من الكتاب الكبار من إمكانيات شاعرية وإبداعية خالدة، ثم يضع أمامنا قائمة طويلة من المخرجين عبر القرون حتى مطالع القرن العشرين، بما يؤكد أن المسرح في العالم يمكن قراءته، فهذا الفصل تغطية تاريخية دقيقة وأمينة لتطور وظيفة المخرج عبر العصور. بعدها، يقدم لنا هبنر في هذا الفصل ثبتا لا نهائيا من أسماء المخرجين وتحليلات الشخصيات، والفكرة الفنية من خلال عروضهم ثم يفرق هبنر بين الإبداع والصنعة ثم بين التفسير والتنقيد في فن الاخراج.

اما في الفصل الثالث فهناك أربعة نقاط أساسية في بدء العمل الإخراجي حسب المؤلف هبنر: الأولى هي قراءة النص الدرامي، وهي ليست قراءة لفهم الموضوع وإنما قراءة ما بين السطور، قراءة ما وراء الكلمات، قراءة ظل الشخصيات النفسي في طيات الجمل الحوارية؛ حتى يستطيع في النهاية أن يجيب على سؤاله الأهم: ماذا أستطيع أن أفعل فوق خشبة المسرح مستخدما هذا النص الادبي؟

ثم النقطة التالية ويتحدث فيها عن الصراع بين إبداع المخرج وإبداع المؤلف؛ فالمخرج لا يستطيع إلا أن يصب الدراما في قالب القضايا المعاصرة، والمؤلف يحي الدراما على الأوراق التي تدفعه شخصياته نحو الإبداع الفطري والقضايا الملحة وقت كتابة النص، ويرى أنه لا داعي للصراع بين فكري المؤلف والمخرج، لأن المصلحة مشتركة، وعلى المخرج أن يؤمن بالنص الذي اختاره وبالتالي بمؤلفه وفكره، وأن المخرج ناقد ومحامي في التعامل مع النص الادبي، فهو يواري ضعفه ويدافع عنه أمام محاكم النقاد والممثلين. كما أنه يؤمن بتحليل فانشتين في قضية تبعية الأدب للمسرح ومقولته أن المسرح هو الفن الوحيد الذي يمتلك وجودا فنيا ثنائيا. تاليًا، يطرح بين طيات قضية الوفاء للمؤلف، قضية أخطر وهي السرقات من الكلاسيكيات ومدى ما يقع فيه مؤرخو المسرح من صعوبة اكتشاف أصحاب النصوص الأصليين.

أما عن مستوى الإخراج فيرى الكاتب أنه لا جريمة ولا سرقة حين يقوم المخرج بتشويه فكرة المؤلف إذا ألبس نصه ثوبا عصريا، معتبرًا ذلك إعادة بناء للعمل الفني، بل وترميمه.

وفي اختيار المخرج لمعاوني النقطة الرابعة بعد القراءات التخصصية، فيجب أن يحذو المخرج فيه حذو الحرص والتروي، حيث أن هذه المرحلة مع المصممين تشكل مرحلة تكوين الصورة المسرحية واكتمال عناصر الرؤية.

وفي توزيع الأدوار، أفرد هبنر الفصل الرابع حيث يرى أنه أهم قرار في العمل الفني لأنه يحدد الصورة التي رسمها المخرج للشخصيات ومدى تفهمه لها. ويتحدث في هذا الفصل عن قيود المخرج في توزيع الأدوار حيث يفرض عليه المنتج أحيانا توزيع الأدوار الرئيسية أو حين يقيد هو نفسه حين يقوم بالتوزيع إلى أساس من علاقة الصداقة. وقد استعان هبنر بتجاربه الذاتية أو التمثيل مع مخرجين مشهورين في طرح مشاكل المخرج عند توزيع الأدوار. وفي طرح لقضية (الشريك) يرى أنه ليس بمقدور أي ممثل أن يستثير بمفرده مشاعر المتفرجين من فوق خشبة المسرح أو على شاشة السينما، ولذا فإن العلاقة بين الممثلين في العرض الواحد يجب أن تكون على أعلى قدر من المشاركة، كما أنه على المخرج أن يدرك تماما هذه العلاقة، ثم تأتي المشكلة الكبرى وخاصة في الفرق الثابتة وهي مشكلة الأدوار الصغيرة، ويذكر هبنر في كتابه المقولة الشائعة (أنه لا يوجد أدوار صغيرة، ولكن يوجد ممثلون صغار). ويختتم فصله بسؤاله الصعب: هل يثق المخرج في ممثل يرجوه لأداء دور معين؟ ويعطينا مثالا بالممثل مارلون براندو في دور الأب الروحي، وكيف كان مقتنعا رغم أن المخرج لم يختر براندو، بل كان العبء على براندوا وحده.

وفي الفصل الخامس من كتابه ذكر أن المخرج السينمائي أوفر حظا من المخرج المسرحي، ذلك لأنه يستطيع تسجيل بريق رد الفعل التلقائي لدى الممثل على شريط، أما في المسرح فعمليه تكرار هدا البريق يوم العرض وعادة ما يفقد العمل تلقائيته من تكرار البروفات فيصبح العمل المسرحي تمثيلا مخططا. ثم يعدد أساليب إدارة البروفات؛ فمنهم من يقسم البروفات إلى بروفات قراءة وبروفات حركة مثل جاك كوبو، ومن لا يعترف ببروفات القراءة مثل بريخت. أما المناهج تتعدد بالنسبة لتحضير المخرج نسخة الإخراج؛ فثمة من يرسم المشهد بكافة تفاصيله في المنزل ثم يفرضه على الممثلين، وآخر يكتفي بالخطوط الرئيسية أولا، أما بيتر بورك فيعتمد على ارتجال الممثلين للمشهد ثم يلجأ إلى أسلوب الاستبعاد وإعادة التفكير. يتحدث هبنر عن استغلال العلاقات البشرية الشخصية بأسلوب السيكودراما لتحقيق بعض أهداف المخرجين، والذين يبررون ذلك بدعوة الاستراتيجية النفسية؛ حيث يستطيع المخرجون زرع حقد ما داخل ممثل يقوم بدور الحاقد، ثم يؤيد عودة المخرج إلى بروفات الطاولة قبل العرض لإتاحة الفرصة للحوار مرة أخرى مع المخرج.

يقسم هبنر المخرجين لنوعين: أحدهما يطلب الدقة الكاملة قبل بدء العرض المسرحي، والآخر يكون عمله غير كامل حتى ما قبل العرض، ثم يعتمد على تلقائية وإبداع ممثل العرض الذي يفعل فيه المتفرج الأفاعيل، حتى أن هبنر يعرض أسلوب المخرج الذي كان يسمح بحضور متفرجين في البروفات، ولكنه لا يحب ذلك حيث يتعامل المخرج مع روح ووجدان الممثل، هذا بالإضافة إلى إمكانية أن يقوم المخرج بتمثيل دور المخرج أمام المتفرجين ليبدو الأمر مثيرا للضحك أو التقزز. أما عن المسرح المعاصر فيرى أنه مسرح ضد الجماليات المطلقة فهو يهتم بالدرجة الاولي بتقديم الحقيقة.

يخصص هبنر الفصل السادس من الكتاب للحديث عن علاقة المخرج بمتفرجيه، وبمنظور المتفرج للعمل المسرحي؛ فيكون المخرج هو المتفرج المثالي لعرضه. ومن هنا يستطيع المخرج أن يصغي إلى مشاهديه عبر طريقين: الأول هو الاقتراب من المتفرج، والثاني السيطرة على المتفرج. هذا بالإضافة عن الرهبة والخوف لدى المخرج والممثلين من هذا الجمهور والذي يجب أن يقهره المخرج والممثل في ليلة العرض ليصيح: ها أنا انتصرت وأثرت في هؤلاء المتجمهرين اليوم. وتحدث أيضا في هذه الدراسة عن جون ديواي وكتابه الفن خبرة وقضاياه، ليختتم فصله بنصيحته للمخرج المسرحي بأن عليه أن يكون على علم ووعي بأحاسيس واتجاهات متفرجه؛ حتى لا يقع في نيران ردود أفعال المتفرج غير المتوقعة؛ لذا يجب عليه أن يجلس في صالة المتفرجين ليرى ما يمكن أن يروه، ليكون له في النهاية أن يمارس مهنة الإخراج، هذه المهنة العامة الناكرة للجميل.

في الفصل السابع للكتاب يناقش الفرق بين المخرج المسرحي والمخرج السينمائي، ويرى أن المخرج السينمائي يبدع الشكل الأخير للعمل الفيلمي مند اليوم الأول للتصوير؛ أما المخرج المسرحي فهو يبدع تدريبيا أثناء البروفات. القطعة السينمائية تكتمل بمفردها؛ أما المسرحية فلا تأخذ شكلها النهائي إلا في يوم الافتتاح. من جهة أخرى، يتحدث عن العلاقة بالمشاهد وعن مدى إمكانية تعديل العرض المسرحي بعد عرضه على المشاهدين؛ أما في السينما فلا يستطيع المخرج ذلك، فالعلاقة في السينما علاقة أحادية من الشاشة إلى المشاهد فقط.

فيما يخص قضية قلق المخرج المسرحي الذي يصبح عمله أمانة لدى الممثل لحظة العرض، ومن الطبيعي أن يكون المخرج السينمائي أوثق اطمئنانا حيث لا يستطيع الممثل التحكم في ابداعه، بل العكس هو الصحيح فالمخرج يستطيع التفاعل بواسطة المونتاج. علاوة على ذلك، المخرج السينمائي يبدع عالما بينما يخلق المخرج المسرحي عرضا مسرحيا إلا أنه يطرح مقولة تعني الكثير: ومع ذلك فإن مخرجي الأفلام غالبا ما يخفون داخل أنفسهم كراهيتهم للمخرجين المسرحيين؛ فهم يرون أن المسرح هو فن أنبل من فنهم الفيلمي… لهذا نجد عددا غير قليل من فناني السينما يهربون إلى المسرح للعمل فيه حينما تتاح لهم الفرصة أمثال فيسكونتي، وبرجمان، وفايجا..

إن المخرج المسرحي أوفر حظا، من ناحية أنه صاحب الإبداع الطازج، وهو أيضا من يستقبل جمهوره يوميا ويسمع تصفيقه، فلكل عرض روحه الخاصة.

في الفصل الثامن يتساءل مؤلفه أيمكن تعلم حرفة الإخراج؟ وللإجابة يجب أن نحدد أولا ما هي عملية الإخراج، ونوعية تلك المهارات التي ينبغي أن يمتلك ناصيتها كل مخرج. يرى هبنر أن المخرج يجب أن يكون على دراية كافية في مجال المعارف الأساسية مثل: التاريخ والأدب والمسرح والفن وعادات الشعوب وغيرها من المعلومات التي يمكن للمعاهد أن تدرسها لطلاب الإخراج، وكذلك يجب أن يكون على علم بالهيكل التنظيمي للعمل داخل المسرح، ويجب أيضا ان يتمتع بشخصية القائد، وهذا ما لا يمكن تعلمه، كما أن الموهبة لدى المخرج لا تُعلَّم ايضا، فإن موهبة المخرج تتكون من مجموعة مقومات وسمات شخصية وهذه ما لا تُعلم قط.

إن الإخراج يتطلب اتخاذ قرارات مستمرة ولحظية وهو ملكة جوهرية.

وينهي هبنر كتابه بثبت أقرب إلى الكمال للمراجع التخصصية في علم الإخراج، وصنفها وحدد مستوياتها وإمكانية الافادة منها، وهذا الثبت يعتبر مرجعا هاما لجميع العاملين في المسرح وللدارسين بوجه خاص.

إن المسرح فن متكامل تشترك فيه جميع الوسائل الفنية من كلمة وإشارة وحركة وإيقاع وتشكيل مادة، وكذلك الموسيقي هي أيضا لها دور مهم في العرض المسرحي.

 

اعتمد إعداد هذه المادة على دراسة لزيجمونت هبنر منشورة في مجلة المسرح العدد 79، وبترجمة د. هناء عبدالفتاح

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.