رسوم متحركة صنعت طفولتنا .. مقتبسة من روائع الأدب العالمي

ورشة فن - انيمشن

0 945

ادريس بوسكين – الجزائر

كثيرة هي الرسوم المتحركة التي شاهدناها بشغف ونحن صغار وتركت فينا آثار عظيمة غير أن قليلا منا من يعلم أنها مقتبسة من روائع أدبية عالمية موجهة أساسا للأطفال ولكنها صارت لروعتها محل إعجاب ومتابعة من الكبار قبل الصغار، إنها أعمال تلفزيونية آسرة ذات قصص إنسانية معبرة وفيها من المعاني والحكايا والجمال ما جعلها تنقل المشاهدين إلى عالم لامتناهي من الخيال لا يمل منه أبدا.

أغلب هذه الرسوم أنتجتها استوديوهات “نيبون أنيميشن” اليابانية المؤسسة عام 1962 في إطار سلسلتها الشهيرة “مسرح روائع العالم” وهي مجموعة كبيرة من الإنتاجات التلفزيونية التي تم اقتباسها عن أعمال روائية كلاسيكية غربية غطت فترة ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد انطلقت هذه السلسلة عام 1969 لتتوقف عام 1997 ولتستأنف من جديد في 2007.

لقد حققت هذه الرسوم نجاحات باهرة عند عرضها باليابان لأول مرة ثم بالولايات المتحدة وأوروبا منذ نهاية الستينيات ومن بعدها بمختلف بلدان العالم بعد دبلجتها لعشرات اللغات ومازالت نجاحاتها مستمرة إلى اليوم وهذا لعدة أسباب تتعلق أساسا بمضمونها القصصي الرائع والمشوق وطبيعة مواضيعها المتعلقة أساسا بالإنسان والطبيعة وكذا نوعية صورها وجمالية رسوماتها وأيضا إبداعها الفني والإخراجي بالإضافة إلى الموسيقى والأغاني والألحان وطبعا روعة الأصوات المدبلجة لها وروعة أيضا أصوات مؤديي أغاني مقدماتها.

لقد كانت بدايات “نيبون أنيميشن” التي كان اسمها عند تأسيسها “زويو إيزو” مع عدد من الرسوم التي لم تحقق شهرة كبيرة على غرار “لمياء وتابعها شيكو” الذي أنتج عام 1971 واقتبست حكاياه من قصص الكاتب الدانماركي هانز كريستيان أندرسون وهذا إلى غاية إنتاجها لأنمي “الغابة الخضراء” عام 1973 الذي يدور موضوعه حول حب الطبيعة والحيوانات والمقتبس عن سلسلة من الكتب ألفها الأمريكي ثورنتون والدو بورغس ما بين عامي 1910 و1920.

وفي عام 1974 أنتجت هذه الأستوديوهات واحدة من أشهر رسومها المتحركة “هايدي” وهو أنمي مقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتبة السويسرية يوهانا شبيري صدرت عام 1880.

ولعل من أجمل رسوم “نيبون أنيميشن” أنمي “شما في البراري الخضراء” المقتبس بدوره عن رواية للكاتبة الكندية لوسي مود مونغمري بعنوان “آن في المراعي الخضراء” أصدرتها عام 1908 وقد أنتج هذا العمل في 1979 في حين تمت دبلجته للعربية من طرف أصوات أردنية رائعة كرانيا فهد وهالة عودة وماهر خماش.

“توم سوير” (1980) هو أيضا من الأعمال الرائعة التي أنتجتها هذه الأستوديوهات مقتبسة إياه من رواية الكاتب الأمريكي مارك توين “مغامرات توم سوير” (1876) وقد حقق هذا الأنمي نجاحا باهرا عبر العالم بما فيه البلدان العربية بعد دبلجته من طرف أصوات مميزة من العراق ومصر والكويت وبلدان أخرى.

في عام 1981 أنتجت أيضا هذه الأستوديوهات أنمي “فلونة” المقتبس بدوره عن رواية شهيرة للكاتب السويسري يوهان رودولف ويس بعنوان “عائلة روبنسون السويسرية” ألفها عام 1812 وقد تمت دبلجته للعربية من طرف مجموعة من الفنانين من العراق وسوريا ومصر والكويت.

وتعتبر أيضا الرسوم المتحركة “سالي” أو “الأميرة سارة” من بين أشهر الأعمال التي عرفت بها “نيبون أنيميشن” حيث عرضت لأول مرة عام 1985 وهي مقتبسة عن رواية للكاتبة الإنجليزية فرانسيس هودجسون بورنيت ألفتها عام 1905 تحت عنوان “الأميرة الصغيرة” بينما دبلجتها للعربية أصوات أردنية ساحرة كإيمان هايل ونصر عناني وقمر الصفدي.

“بوليانا” هو أيضا مسلسل أنمي رائع لهذه الشركة حيث أنتج عام 1986 واقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتبة الأمريكية إليانور بورتر صدرت عام 1913.

وتعتبر من جهتها الرسوم المتحركة “نساء صغيرات” من أبرز أعمال “نيبون أنيميشن” حيث أنتجتها عام 1987 استناد إلى رواية بنفس الاسم للكاتبة الأمريكية لويزا ماي ألكوت صدرت عام 1868.

ولا يمكن هنا تناسي الأنمي الساحر “يا صاحب الظل الطويل” المقتبس عن رواية “أبي طويل الساقين” للكاتبة الأمريكية جين ويبستر وهو أشهر أعمالها على الإطلاق حيث أنتج عام 1990 وقد حاز حينها “جائزة الفيلم التلفزيوني المتميز” التي تمنحها الوكالة اليابانية للشؤون الثقافية للأطفال وأما في العالم العربي فقد تمت دبلجته بالأردن وبمشاركة أصوات رائعة كإيمان هايل وهالة عودة وقمر الصفدي.

ومن بين الرسوم التي أنتجتها أيضا “نيبون أنيميشن” وتحكي عن حب الطبيعة والحيوانات يبرز أنمي “زهرة البراري” الذي أنتج عام 1992 وهو عمل مقتبس عن رواية “الأدغال” (1965) للكاتب الكندي ويليام ستيفنسون.

ومن بين إبداعاتها الشهيرة أيضا “فتاة المراعي” الذي عرض لأول مرة عام 1984 وهو عمل مقتبس عن رواية للكاتبة الفنلندية أوني نويوليفارا تحت عنوان “الراعي والخادمة وسيدة البيت” (1936).

وفي عام 1991 أصدرت أيضا أنمي “لحن الحياة” المقتبس عن رواية “قصة مغني عائلة تراب” للكاتبة النمساوية ماريا فون تراب التي ألفتها عام 1949 وفي عام 1993 “عهد الأصدقاء” المقتبس بدوره عن رواية “الإخوان السود” (1941) للكاتبة السويسرية ألمانية الأصل ليزا تيتزنر.

كما أنتجت أيضا أنمي “نوار” عام 1993 استنادا إلى رواية “رجال صغار” (1871) للكاتبة الأمريكية سابقة الذكر لويزا ماي ألكوت وبين عامي 1996 و1997 “دروب ريمي” المقتبس بدوره عن رواية للفرنسي هيكتور مالو بعنوان “بدون عائلة” (1878) وبعدها بعشر سنوات “البؤساء” المقتبس عن رواية شهيرة بنفس الاسم لمواطنه فيكتور هوغو صادرة عام 1862 وهو آخر عمل مدبلج إلى العربية من سلسلة “مسرح روائع العالم”.

هذه الأعمال الخالدة وقف وراءها مجموعة من المخرجين المبدعين الذين أكدوا على مر سنين طويلة على عبقرية يابانية لا تضاهى كماساهارو إندو وإيزاو تاكاهاتا وهيروشي سييتو وفوميو كوروكاوا وكوزو كوزوها وكازويوشي يوكوتا وتاكايوشي سوزوكي وشيغيو كوشي وهاياو ميازاكي بالإضافة إلى مجموعة أخرى كبيرة من الكتاب والرسامين والموسيقيين والملحنين والمصممين الموهوبين الذي حافظوا على اسم اليابان كبلد مبدع ورائد في هذا المجال وأيضا على مسيرة زميلهم الملهم أوسامو تيزوكا صاحب رائعة “كيمبا الليث الأبيض” المنتج عام 1965 (سطت على فكرته استوديوهات “والت ديزني” الأمريكية عام 1994 في إنتاجها لفيلمها الشهير للرسوم المتحركة “الأسد الملك” وهو أول فيلم رسوم متحركة ينال الأوسكار).

خارج سلسلة “مسرح روائع العالم” أنتجت أيضا “نيبون أنيميشن” العديد من سلاسل الأنمي الشهيرة على غرار “فيكي” المقتبس عن رواية “فيكي فايكنغ” للكاتب السويدي رانر جونسون والمنتج عام 1974 وكذا “مغامرات بينوكيو” المنتج عام 1976 والمقتبس عن رواية للكاتب الإيطالي كارلو كولودي (كارلو لورنزيني) بعنوان “مغامرات بينوكيو: قصة دمية” (1881).

“نيبون أنيميشن” أصدرت أيضا عام 1975 “مغامرات سندباد” والمقتبس عن الكتاب التراثي “السندباد البحري” وفي نفس العام أنتجت أيضا “مغامرات زينة ونحول” المقتبس عن كتاب الأطفال “مغامرات النحلة مايا” (1912) للكاتب الألماني والدمار بونسلز بالإضافة إلى “عدنان ولينة” في 1978 والمقتبس بدوره عن رواية للكاتب الأمريكي ألكسندر كاي بعنوان “المد الهائل” صدرت عام 1970.

وفي عام 1983 أنتجت أيضا “أليس في بلاد العجائب” المقتبس عن رواية بعنوان “مغامرات أليس في بلاد العجائب” للكاتب الإنجليزي لويس كارول (تشارلز لوتويدج دودسن) ألفها عام 1865.

ويبرز أيضا في هذا الإطار الأنمي الرائع “في جعبتي حكاية” المنتج عام 1987 والمقتبس عن كتاب شهير حول القصص الشعبية الألمانية للأخوين الألمانيين غريم نشر عام 1812 وكذا “ماوكلي فتى الأدغال” المنتج عام 1989 والمقتبس عن كتاب “كتاب الأدغال” (1894) للكاتب البريطاني روديارد كيبلينغ.

لقد قدمت “نيبون أنيميشن” إبداعات روائية للعالم أجمع وفي أحسن صورة وأغلبها من الأدب الأنجلو ساكسوني غير أنه في اليابان التي يتواجد بها اليوم أكثر من 600 أستوديو لإنتاج الأنمي برزت أيضا أستوديوهات أخرى لرسوم الأنمي المعتمدة أيضا على الأدب الأنجلو ساكسوني على غرار “بييرو” الذي عرف بعدة إنتاجات شهيرة وأيضا بمخرجيه المبدعين ككيجي هاياكاوا وهيسايوكي توريومي.

ولعل من أبرز إنتاجات هذا الأستوديو “مغامرات نيلز” الذي صدر ما بين عامي 1980 و1981 وهو أنمي مقتبس عن رواية بعنوان “مغامرات نيلز المدهشة” (1907) للروائية السويدية صاحبة جائزة نوبل للآداب سلمى لاجرلوف وكذا الأنمي الشهير “السيدة ملعقة” ما بين عامي 1983 و1984 وهو عمل مقتبس عن رواية بنفس الاسم للكاتب النرويجي ألف برويسن صادرة عام 1956.

وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن الحكايا والقصص الغربية التي اعتمدت عليها استوديوهات الإنتاج اليابانية في بداياتها كانت أيضا مطية للولوج إلى الأسواق الغربية ومن ورائها بقية بلدان العالم فإنتاج هذه الأعمال هو أيضا تجارة دولية كبرى تقدر قيمتها اليوم بأكثر من 24 مليار دولار ثم إن رسوم الأنمي اليابانية ذات المضمون الياباني الخالص تتجاوز حاليا هذه الأخيرة وهي تعتمد أساسا على “المانغا” وقد صارت في السنوات الأخيرة الأكثر شهرة ورواجا وربحا على المستوى العالمي كـ “ديمن سلاير” و”ناروتو” و”وان بيس” و”بوكيمون” و”دراغون بول”.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.