قاطرة المسرح ومستقبل الإعاقة في مصر

ورشة فن - مسرح

0 629

محمود كحيلة- مصر

في مصر ما يقرب من خمسة عشر مليون معاق خاضوا معارك كبيرة لكي يوجدوا لأنفسهم مقعدا على مائدة الأنشطة الإنسانية، وقد كللت رحلة الكفاح في مجال الدراما التمثيلية بإنجاز كبير حققه ثنائي رائع من شباب فرسان التحدي من ذوي الهمم في مجال المسرح هما “هادي جلال” و”فاطمة مجدي” اللذان اقتنصا جوائز تمثيل أولى في المهرجان القومي للمسرح المصري الدورة الحالية 2019م حيث كانت المنافسة حرة لأول مرة على الصعيد العربي تنتصر عمليا لفكرة الدمج أي عدم التفرقة بين الناس على أساس بدني أو حسي وبعد ذلك أصبح من غير المعقول آلا نسعي عربيا كي يتوفر المناخ المناسب ليجد ذوي الاحتياجات الخاصة أصحاب الإعاقات المختلفة بيئة مناسبة لممارسة ما يشتهون من أنشطة ورياضات وفنون إبداعية بكل حرية وأريحية مهما كانت عقولنا البسيطة التقليدية تراها بعيدة عن مستوي قدرتهم وحدود طاقتهم علينا أن نمهد لهم طرق المشاركة بكل أنشطة الحياة ما دام ذلك لا يعرضهم للخطر بعدما ثبت بالدليل العملي أن لديهم من التحدي والإرادة ما يفوق العادة وقد رأينا نماذج محلية وعالمية والعرض مستمر.

فاز (هادي جلال) وزميلته “فاطمة مجدي” بجوائز التمثيل لمسرح الطفل بالمهرجان القومي للمسرح المصري وهو أحد أهم المهرجانات المسرحية العربية وتهافتت وسائل الإعلام المصرية مقابلتهما لتوثيق هذا الحدث المميز والذي جاء ثمرة تدريب جيد ومستمر على التمثيل المسرحي والمشاركة الإيجابية في عدد من العروض على مدي أربعة سنوات أدت إلى وصل هذا الفريق إلى هذه المحطة العبقرية في هذا المضمار حيث اندمج ذوي الاحتياجات مع غيرهم وتبادل الجميع الأدوار لتحقيق التكيف الاجتماعي وتدعيم العلاقات الاجتماعية وإكساب كافة المشاركين القيم الاجتماعية المرغوبة والمهارات الاجتماعية ومساعدتهم المعاقين على أن يحيوا حياة طبيعية والتكيف مع أفراد المجتمع المحلى.

“سندريلا المصرية” مسرحية للأطفال من إنتاج الإدارة العامة للطفل بالهيئة العامة لقصور الثقافة إخراج (محمد فؤاد) ومن تأليف (أحمد زحام) وهو اللقاء الثالث الذي جمع بين المؤلف والمخرج حيث سبق أن التقيا في مسرحية “السيرك” ثم مسرحية من إبداع ذوي الهمم هي (كمان زغلول) وكان بطلها هو نفس بطل مقالتنا (هادي جلال) الذي لعب دور شاب يحب الموسيقي ويتمني أن ينجح فيها كما نجح الموسيقار الشهير (عمار الشريعي) الذي يزور الشاب في الخيال ليشرح له كيف كون شخصيته الإبداعية متحديا قيود الإعاقة ليمنحه بزيارته من الطاقة والأمل ما يمكنه من تحقيق طموحه وبلوغ أمله ومناه وقد استعان المخرج في تنفيذه لهذا العرض بفريق من ضعاف البصر وفرسان التحدي ممن اعتمد عليهم مجددا في إنجاز تجربته الحديثة (سندريلا المصرية) في العام المسرحي 2019م، والتي استعان في إنجازها لأول مرة من دون تزيد أو سخرية (بالأقزام) وهم فئة مهمشة أخري لا يعرف أصحابها أن كانوا ينتمون إلى جدول الإعاقة أم لا لأنهم في ظاهر الوضع الجسدي والحسي ليس بهم إعاقة لكن التقزم يعيقهم عن الحياة الطبيعية ولذلك نجد أنهم أيضاً بحاجة إلى من يعينهم على حياة لا تخلو من التنمر بالنظر أو باللسان نتيجة قلة الثقافة وانعدام الوعي.

 كل هذه الإنجازات الإنسانية المخلصة من دون ابتذال رفعت قدر هذه التجربة وعززت من قيمة هذا العرض الذي أحسن الاختيار متبنيا حقيقة أن من حق أبطاله أن يمارسون الحياة المسرحية وأن يتحركون في دنيا الدراما المسرحية وسط جمع من المبدعين بطريقة عادية وموضوعية حيث البطل المحرك لكل الأحداث شاب جميل وسيم لا يمكن أن نتصور أنه لا يري وأنه كفيف لأنه يتمادى في إخفاء نقطة ضعفه كما يفعل الجميع إذ لا أحد يحب أن يعرف الناس نقاط ضعفه ولذلك ينزعج أصحاب الإعاقة من الخدمات المجانية التي نحاول أن نقدمها لهم من باب الشفقة علينا أن نمنحهم فرصة طلب المساعدة بأنفسهم إن هم احتاجوها مثل الجميع وقد أحتال “فؤاد” المخرج حيلة عبقرية في بدء العرض كي ينشأ التعارف الواجب بين المشاهد والمشهد فقد جعل بطله الكفيف يتحسس نسراً بارزاً في صدر المنظر المسرحي هذا النسر هو رمز (حورس) ثمرة الأسطورة المصرية الشهيرة التي لا يعرفها للأسف أغلب شباب مصر تلك الأسطورة التي تؤكد أن المسرح نشأ في مصر قبل أي دولة بالعالم وهكذا عندما يتحمس البطل الذي يقوم في هذا العرض بدور الراوي الذي لا يكتفي بسرد الأحداث بأسلوبه الجيد ذي الإيقاع السريع ولكنه بالإضافة إلى ذلك يشارك في الأحداث الدرامية والمسرحية التي نحكي عنها في سندريلا المصرية وهي فتاة مصرية يفاجئها أباها ذات يوم بعد رحيل أمها بمفاجأة غير الحلوى والعروسة كما ترقبت إذ جاءها بزوجة أب سيدة جديدة جاءت لتحل محل أمها ولم تأت منفردة وإنما جاءت ومعها ابنتان وطلبت منها ألا تنطق كلمة أمي لأنها أماً لفتتان جميلتان وهي كذلك أم متصابية لا تريد أن تكبر عندما تناديها بأمي فما كان من سندريلا التي جعل المخرج لها وجهان بالعرض وجه تمثله فتاة عادية والوجه الأخر هي فتاة جميلة وكفيفة هي صاحبة الجائزة (فاطمة مجدي) ليؤكد على رؤيته بأن ما يفعله المعاقين يفعله غيرهم وأن كلاهما قد يقع تحت نفس الظروف ويمر بنفس المشكلات وأن هذه الخلفية إن كانت تدل على شيء فإنها تدل على حقيقة أن الكل سواء أمام الحياة الكل قد يفقد الأم أو الأب ويضطر إلى الحياة مع زوجة الأب وما دمنا سواء أمام الطبيعة لابد أن تتساوي فرصتنا في الحصول على كل الأشياء وهذه الصرخة العالية من أصحاب الإعاقة تكفر في الحقيقة بالقوانين العقيمة التي تنظم حياتهم فتجعلهم في عداد الـ 5% للوظائف والتعيينات التي لا تتحقق على أرض الواقع وإنما هم في هذه المسرحية يطالبون بحقهم بالعمل والعلم وكل الممارسات التي يفضلونها أو يختارونها من دون تميز، وقد قدمت هذه الدراما المسرحية جيدة الصنع على كلمات أغاني من تأليف (أحمد زيدان) وموسيقي (أحمد صلاح) مع استعراضات “محمد فؤاد” وقد قام بتصميم وتنفيذ الديكور المبهر والملابس والمسكات (مجدي أنس) كل هؤلاء تحركوا نحو تحقيق هدف واحد هو فكرة العرض التي تؤكد على أنه إن كان بعض الناس يحتاجون إلى عناية ودعم فإن كل الناس كذلك يحتاجون إلى عناية ورعاية في بعض الأحوال ولا شيء مختلف الكل واحد كلنا واحد ومن هنا يكتسب الدمج أهمية لأنه يشجع الناس على تبنى فكرة ونظرة إيجابية نحو أصحاب الهمم وتغيير نظرة المجتمع السلبية تجاههم كما أن مشاركة ذوي الإعاقة في الأنشطة الجماعية المختلفة يعمل على زيادة ثقتهم بأنفسهم لذلك تعد هذه المسرحية نموذج جيد للمسرح الذي لا يفرق أولئك عن هؤلاء الكل سواء والمنافسة بين جميع العروض المقدمة لم يفرق المحكم بين المعاقين وأقرانهم زملاء كوكب الأرض وكانت النتيجة التي نفخر بأننا توقعناها منذ طرق فرسان التحدي أبواب المسرح أن يحصل “هادي” و”فاطمة” على جائزة المهرجان لأنهما تدربا وتعبا واجتهدا بمساندة الأهل والمعلم فكانت لهم هذه الجائزة التي تفتح باب الأمل أمام كل مبدع مجتهد في مجال الفنون المسرحية لكي ننطلق من المسرح نحو تشييد هذا المعمار المسرحي المقترح لمسرح يقود مواكب الحياة نحو ما فيه خير الإنسانية.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.