آن بوير: ما هي لغة الألم؟

تجمع قبيح للصفات

0 1٬508

ترجمة: تهاني فجر-الكويت*

بقلم آن بوير

أن تكون شخصا صغيراً يحمل ألما عظيماً في هذه الأيام هو أن تكون شخصا يشعر ما بداخله في حين يرغب معظم الأشخاص بالمشاهدة فقط. هناك ألم ذو طابع تفسيري يشبه جهاز الأشعة المقطعية، يقوم بتوضيح الأسرار الداخلية الصعبة. وهناك ألم يتحول إلى مجاز، وألم يُقرأ على أنه قانون مسلّم به. هناك ألم بسيط لكنه يرتبط بالنفس، لذلك يكون جوهرياً أكثر منه ظاهرياً مثلما يكون التظاهر بالألم من أجل التحرر من واجب أو التزام ما. وهناك ألم يستند إلى الدين والمعتقدات بهدف العلاج.

 لو كان هذا عملًا فلسفيًا، فسوف أقول بأن صورة الألم هي التي تمنعنا من فهمه، وأن ما نراه من الألم غير كافٍ مقارنة بما يمكن أن نعرفه، وأن مشكلة فهم الألم في هذه الأيام تتمثل في تأثير التعميم وتشبع السوق بمسألة المشاهدة فقط، لكنني أولًا لست فيلسوفة وثانيًا لا أعرف ذلك حقا.

ألم أخطائي النحوية الواضحة كانت على هذه الشاكلة:

كيف تمضى الشمس هكذا وكأن اليوم يمضى بطريقة غير ممكنةٍ بالرغم من تواجد نور في وجهي لكي يبهجني فاتبعت نصيحتن لاخد ما يكفي من فيتامين (د)، لكن ضوء الشمس المزيّف يشعل العالم بأكمله نمت في ذلك الألم القاسي ليلة الأمس

خطأ أم صحيح:

  1. بما أن الألم يصيب الشخص بالعجز، فإنه يشكل عائقًا
  2. الألم هو تجمع قبيح للصفات
  3. أي مفردة للألم تكون دائماً بلغة لا يمكننا فهمها بعد.

يبدو أن الفكرة الشائعة عن الألم ” تدمر اللغة ” لكن الألم لا يدمر اللغة بل يغيرها. كما أن الأمر الصعب ليس مستحيلًا. إذا كانت اللغة الإنجليزية تفتقر إلى معجم مناسب للأشياء التي تؤلم فهذا لا يعني أنها ستظل كذلك دائمًا، حدث ذلك فقط لأن الشعراء والشركات التي اخترعت قواميسنا لم تقم بالعمل الضروري، فيما يتعلق بالمعاناة.

لنفترض للحظة أن الادعاءات المتعلقة بعدم فعالية الألم محددة تاريخيًا وأيديولوجيًا، وأنّه لا يتم التعبيرعنه على نطاق واسع لأنه ليس من المفترض أن نتقاسم اللغة التي تتحدث عما نشعر به حقًا.

وكمثال يؤكد عدم فعالية الألم، نجد كتاب “الوضع البشري” لحنا آرنت، الذي وصفت فيه الألم بأنه “الأكثر خصوصية والأقل قابلية للتعبير عنه” في جميع التجارب. واصلت القول بأن الألم هو “تجربة الحدود الحقيقية بين الحياة ” ضمن البشر “. . . والموت ” مدعية بأن عدم الموضوعية تتدخل بشكل كبير به لدرجة أن الألم لم يعد لديه أي شكل. على النقيض من هذه الحقيقة الفلسفية حول عدم قدرة الألم على التواصل مع تجربتك الخاصة عندما تشاهد كائن حي آخر يتألم. العواء والصيحات والصراخ والآهات والأنين بسبب تألم شخص آخر هو أمر لا لبس فيه. إن عبارة “هذا مؤلم” أو “أنا أشعر بالألم” أو “يحرق” أو “هذا يوجع”، إضافة إلى عبارات التعجب المختلفة مثل “آه” و”أوتش” و”اللعنة” هي أيضًا رسائل عن الألم لا يمكن إنكارها عمومًا. عندما يتألم كلب أو قط فإننا نشعر بهما أيضا. لا يمكن تجاهل وجه شخص يتألم – حتى لو كان وجهًا لكائن غير بشري – بسبب ذلك المظهر الحزين. المعاناة وعبارات الألم والدموع المتسربة والأسنان الملتصقة ببعضها البعض تكون أكثر تعبيرًا، على سبيل المثال تكون “التعبيرات المصاحبة للألم” عبارة شائعة.

يوجد هناك دافعٌ محدداٌ لإيقاف ألم الآخرين، لأن الألم الكبيرَ جدا، يتم التعبير عنه بوضوح، وغالبًا ما يتخذ شكل الرغبة في فعل أي شيء من أجل إنهاء ألم شخص آخر على وجه التحديد بسبب الطريقة التي يحدث بها هذا الألم الذي يعتبرتجربة يستحيل – فيها تحمل عدم الراحة – كما يتخذ في بعض الأحيان شكل من أشكال الانزعاج، وأحيانًا يتخذ شكل القلق، وأحيانًا أخرى يكون على شكل شفقةٍ على الذات. إن هذا الدافع لإنهاء الألم الفوري لكائن آخر على مقربة من شخص معين قوي جدًا لدرجة أنه يمكن في بعض الأحيان، إجبار الشخص الذي يسبب الألم على إلحاق المزيد من الألم بالمتألم، كما هو الحال عندما يضطر البالغون لإعطاء الأطفال ” ذلك الشيء الذي يجعلهم يبكون للحصول عليه” من أجل تهدئتهم. يمكن التعبير عن الألم بوضوح. في الواقع، إن مصدر الكثير من العنف يمكن إيجاده في ردة الفعل على فرط التعبير عن الألم. إن ظهور الألم بوضوح هو الذي يمنح للساديين مكافأة للاستمرار في فعلهم. لو كان الألم صامتًا ومخفيا، فلن يكون هناك حافز لإلحاقه بالآخرين. إن الألم في الواقع هو حالة تخلق مظهرًا مفرطًا. الألم هو شعور متنامي.

إن القول بأنه لا يمكن التعبير عن الألم هو كذبة على نحو شبه مستمر، على الكائنات الحية، وعلى كونية التعبير عن الألم. وبالتالي، فإن السؤال في نهاية الأمر، هو ليس ما إذا كان الألم يحتوي على صوت أو صورة بل هل يهتم الناس الآخرين الذين يعتقدون بأن الألم ليس لديه صوت أو صورة بمعاني الالم، والذين تتحدث أجسامهم عنه؟ يعتقد جان جاك روسو، بأن ” التعاطف يجب أن يكون أكثر فعالية، خاصة أن الإنسان يتقاسم مع الحيوان طبيعته الغريزية في إحساسه بالألم، نظريًا، يعتبر عدم التفاعل من أولئك الذين يعانون من الألم هو سمة فريدة من نوعها يتميز بها الفلاسفة. “إنها الفلسفة” كما كتب في مقال حول “مصدر وأساس المساواة، الذي يدمر اتصال [الشخص] بأشخاص آخرين؛ إنه نتيجة لإملاء تها، إن الشخص يتمتم مع نفسه عند رؤية شخص آخر في محنة ما، ربما ستتعرض للهلاك لذلك يجب أن أهتم بك، لا شيء يمكنه أن يؤذيني. لا شيء أقل من أولئك الأشرار، الذين يهددون كل المخلوقات الحية، والذين يمكنهم أن يقلقوا النوم الهادئ للفيلسوف”.

على الإنترنت، يعتبر الألم هو سلسلة من منشورات حائطية نقاشية تتعلق بالتأويل وبالزمن.

آن بوير
ولدت آن بوير في مدينة توبيكا بولاية كانساس سنة 1973.

وهي شاعرة وكاتبة أمريكية فائزة بعدة جوائز منها جائزة فاير كراكر للصحافة سنة 2016 وجائزة وايتنج 2018

تمت ترجمة شعرها إلى العديد من اللغات بما في ذلك الأيسلندية والإسبانية والفارسية والسويدية

كما قامت بترجمة أعمال الشعراء الفنزويليين في القرن العشرين فيكتور فاليرا مورا، وميغيل جيمس، وميو فيستريني.

تعيش في كانساس سيتي بولاية ميسوري.

 

*تهاني فجر: شاعرة وكاتبة ومترجمة من الكويت صدر لها: صورة شخصية للحب (شعر) ضلع المثلث (سيرة ونقد)

وفي الترجمة: كل رجال الملك (رواية) قرن في الكويت (تاريخ) لأنه مر لأنه قلبي (شعر) وعلى شاطئ تشيسل (رواية)

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.