جرَّة الزيتون

حجر رشيد - فلسطين وجسر من نور

0 230

نعومي شهاب ناي- أمريكا

ترجمة: إيمان أسعد-الأردن *

 

في زاوية كل مطبخٍ عربيّ،

وعاءٌ بلاستيكي ضخم من الزيتون

ينتظر الوجبة القادمة.

حبّات زيتون خضراء مشدودة الجلد

كواكب برؤوس صغيرة مستدقة ــ

بعد الإفطار، الغداء، كلُّ طبقٍ

يستضيف في زاوية من زواياه

هرمًا من النوى.

الأيادي تتقاطع أعلى وسط المائدة

حيث زبدية الزيتون.

إن تبقَّى منه شيء

سيُعاد إلى جرَّة الزيتون حتى ينتقع مرة أخرى

 مع شرائح الليمون والزيت.

الكل يقول

كان عامًا مثمرًا للأشجار.

على الحدود ضابطٌ حدوديّ إسرائيلي سألني

إلى أين أنا ذاهبة في اسرائيل.

إلى الضفة الغربية، أجبته.

إلى قرية الزيتون واللوز.

حتى أرى قومي.

وأي قومٍ تعنين؟ العرب؟

أعمامي وعماتي، جدتي،

أبناء عمومتي من الأقرب للأبعد.

جامعو الزيتون.

هل تنوين الحديث مع أيٍّ منهم؟ سألني.

صوته يجش أكثر وأكثر،

الكلام يئز صفيرًا من بين أسنانه.

أردت القول، لا، أتيت كل هذا الطريق

لحضور لمّ شملٍ صامت.

لكن كان يقبض بيديه على جوازي.

أجل، أجبته. سنتحادث قليلًا.

عن العائلات والأعراس،

عن أحذية أبي المفضلة،

وحب جدتنا للحلويات.

سنتشارك كؤوس الشاي الساخنة،

حلاوتها تغمر حناجرنا.

أحدهم سيضحك طويلًا بلا شعور،

وإذ بالدموع تغشى صوتي: أيا مدى أمواج المحيط،

مذ متى وأنت تتقلبين بيننا،

وقليلًا ما تتبددين!

سنأكل الملفوف، الرز بالحليب،

الباذنجان المقلي يطشّ بالزيت.

وحين يُقبِل الزيتون مُبحِرًا

في قاربه الأبيض الصغير،

سنصفُّه على أطباقنا

كما علامات الترقيم.

ما شأن الحكومات بمتع بسيطة كهذه؟ علامة استفهام.

أجل أحبك! انقضاض علامة تعجّب.

أو الجملة التصريحية العصيّة على المحو:

لشرفٌ عظيم

وبكل كرامة

نعصر حبَّتك بين شفاهنا.

 

*إيمان أسعد

روائية ومترجمة أردنية مقيمة في الكويت. حاصلة على شهادة الماجستير في الدراسات الأميركية من الجامعة الأردنية (٢٠٠٥)، وعلى شهادة البكالوريوس في تخصصيّ علم الحاسب الآلي والأدب الانجليزي من جامعة الكويت (٢٠٠٣). صدر لي رواية” زينب والخيط الذهبي“ عام ٢٠١٥. الترجمات الأدبية الصادرة لي تتضمن: رواية” الطلب الأخير“ للروائي غراهام سويفت (٢٠١٨) ”السفاح الأعمى“ للروائية مارغريت آتوود (٢٠١٩)، ”المرأة في الطابق العلوي“ للروائية كلير مسعود ”قشرة الجوزة“ للروائي إيان مكّيوان (٢٠٢٠)، و”إلى المنارة“ للروائية فرجينيا وولف (٢٠٢٠).

نعومي شهاب ناي
شاعرة فلسطينية أميركية ولدت لأب فلسطيني وأم أميركية في سانت لويس، ميسوري، عام ١٩٥٢. في سن الرابعة عشر انتقلت مع عائلتها إلى رام الله حيث التقت بجدتها، وقضت أقل من عام في فلسطين قبل العودة إلى الولايات المتحدة الأميركية عام ١٩٦٧. وترك ذاك العام أثره الدامغ في حياة الشاعرة ناي وفي مجمل أعمالها في الشعر وأدب الأطفال. لقيت مجموعاتها الشعرية نجاحًا كبيرًا في الولايات المتحدة ونالت عليها العديد من الجوائز المرموقة. قصيدة «جرة الزيتون» تأتي ضمن ديوانها «تسع عشرة فصيلة للغزلان: قصائد الشرق الأوسط» والصادر عام ٢٠٠٢. 
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.