مقدمة النسخة الإيطالية من كتاب ( تكوين لذاكرة الهوى )

0 543

د. إميانويل ألويسي- ايطاليا

الشاعر رائد الجشي لديه معرفة بالنساء وعن النساء يتحدث، عن نساء عالمه لهم ذات الثقافة والمعتقد اللواتي لاحظهن. عن نساء لكل العالم. وعن كون يلاحظ الشاعر.

ومن هنا جاء اعتناق الآفاق والمعتقدات متحدا بالحب نفسه أو ذات حبل الألم الذي ينشأ منه “نزيف حاد متوج بالأشواك”،

جسد عريه كبرياء في الضلال ولصليبه صاحب وحي كهلال قمر فوق مسجده يتنقل بين مهجعه وروح الصلاة حيث تحفظ حروفه تمائم الحب.

الشاعر الذي يمتلك تلك الحساسية النموذجية تجاه النساء لديه القدرة على حمل الأرواح المتناسخة.. التي تشهد عليها النسوية المتحركة للعواطف المتسربة من  الدلالات الهامسة خلف ستر مالم يفصح عنه, ولكنه مع التأمل والحفر يظهرون ذواتهم ثم يتلاشون مع رماد الإجابات.

الصور تحمي المعاني النسوية التي تحترق وتهرب. التي تسأل ذاتها وتعرف نفسها في أسرار الرسائل. لعل القصيدة سلاح ثوري من الحب الذي لا يؤلم ولكنه يقطر دما ثم ضخم ذاته كمطر من الغياب.

يرتحل الشاعر عبر الذاكرة. دون زمن محدد أحيانا باحثا عن تكوينٍ يهب الدم لقلبه، ويسافر كثيرا عبر مشيمة الأكوان حيث يعري المتوقع والمُزدرى ورحالات الهجرة التي تخلو من العودة، والخوف والرمال والعواصف حيث تعود الرياح إلى “ياسمين الروح” حيث يمكن التعبير عن كل شيء وهناك يقف ليعود متحولا إلى تدفق جزئ عبر دورة الجزيئات.

يتكئ في رحلته الشعرية على لغة المجاز مع الصور المبهمة وكأنها ألبوم صور تبهرك بغموض الحياة التي يمكن تذوقها في الأشياء الصغيرة كفطائر البان كيك في الصباح ورائحة القهوة العربية أو لعله وببساطة أكثر يحاول أن يقدم الحياة بأكملها إلى التواقين لتذوق مشهد رشفة خفية حيث يدخل الشاعر في وضع جنين كجزيء من الضوء ينبعث من الحروف حتى تتشبع بالحنين مع مرور الزمن ثم تستقر مثل ” غبار على طاولة قرب النافذة “.

إنه جزيء من جزيئات الأشطر والكلمات في مزيج من رشفات ونوتات على شكل فقاعات. قصيدة من تتالي سيمفونية مزمار مع ضربات فرشاة من العطر، صور مرتبكة وملونة أو بالأبيض والأسود تتلاشى بها الخطوط لتصبح إشارات مرسومة تستطيع التحليق كالفراشات أو الضحك كالأطفال. وحين لا تضحك تصبح صافية كالصداع النصفي الذي يجتاح الشاعر وقت الكتابة. فبالرغم من كونه مأخوذ بالسرد إلا أنه لا ينغمس في النثر من أجل عاطفته المقاومة التي تدفعه إلى التسامي. يستمر الصوت ومعه يستمر البحث عن الحكمة العميقة (التي نقلت بعمق من قبل من ترجم وحرر العمل) القادرة على التصوير والتلاشي مع اندفاع الحب وصراعه مع الموت، ثورة من متعة روحية لغبار الأمكنة والآلام الشخصية التي تنتمي للكثير يما فيهم امرأة “نصف جميلة”.

“قل لي هل أنا الآن أجمل؟ أم نصف أجمل؟ حين تغلب الورم على النصف الآخر. أهديتني نصف الزهور ولون شعار قوس حلم صغير”. هنا نتعرف على ذرة الشاعر مع طفل يلعب بحلمة ثدي دون أن يشرب منها وكأنه يشير إلى اندماج مع ذرة أخرى. انعكاس للعودة إلى الضلع الذي خلق منه الرجل .. تكوين جزيء من الذاكرة في صدر المرأة.

أعرف هذا البشير النذير. أفضليته مألوفة لدي مثل لامبالاته وأحمل ألم طفلي كطفل بين يدي، ثم يتغير الشعر كرجل يمعن التحديق حين يلاحظ تفصيلا دقيقا في الصورة وقد أصبح صورة عملاقة للتأمل وتنهيدة لنفس طويل متصل نقش عليه الخبر بأكمله.

أدوات فهم معنى الشعر تخص الإنسان الذي يصبح ذرة من انصهار التكوين الكلي؟ يا أحمر الشمع في الذكريات “هل كنت أكتبُ لو كنتَ ذاتك من قبل عامينِ ما أكتب ُ؟”، فهم للمكان والتاريخ، عن تونس والملكة تين هينان وريثة كل آهقار (سلطنة الطوارق) تمثل ضريحا حيا من جوهر الأريج. تحملها الريح بعيدا بينما تتراقص نوتاتها مع صبغة الكلوروفيل ورمل الزمن الذي يتجدد ويتبرعم في عين العازمين على ملاحظة “الشمس وهي تستحم” حين تذهل الشاعر “بذرة” تنسج نموها على غير هدى بينما تلتف القصص الحزينة بالسماء العاجية” ولكن بغض النظر عن الطقس، يتجسد كل شيء من جديد على أوراق شجر الخليج بنسيم من الحنين حين تستيقظ في مقهى من الأمل المغمور في رغوة صالحة للرشف لألاف الصباحات القادمة. قد يكن الربيع العربي أملا يمكن أن نراه في تكوين الذاكرة، في المرأة، في أنتينا أطلنطس من رواية بيير بينوت (فرنسا 1888-1962) امرأة من زمن آخر (امرأة الخيام) عرجاء لكنها عريضة المنكبين سافرة بلا حجاب وحرة في الترحال بين البحر والرمال. كم كان حرا رجل عشتار (البوعزيزي)! قاد على الرضاعة من ثديها لأن سم حليبها لا يحتاج إلى الأرض ليقطر من عينيه.

أدوات الشعر ضرورية لتكثيف الذرات وجعلها كلا. تدمج (صلاة النزف والوحي المتلألئ وعلمانية الشغف الحميمي وحيادية طفل الموت) على خط الطليعة. قصيدة شاب خلف رجل يهتف بنشيد أبو القاسم الشابي (الشاعر التونسي): ضمير شعب يريد الحياة.”

شعر رجل حالم لا يحب نوارس الحلم حين تحلق في رؤية التكامل وتبتكر الصهيل وهي تتوسل بعض فتات من رغيف مصلوب. الرغيف المصلوب هو غداء الشعر. يحول النورس إلى فأر يكتب ويعتقد حين يكتب   بانكسار الضوء أنه منبعه ومصدره. مع وعيه بأن طبيعته هي الحرية وإن بات كنورس بلا أجنحة.” فلا الماء كنهه ولا الطين كنهه، أنه الزبد المصطفى لحظة التبخر”

د. إيمانويل ألويسي
د. إيمانويل ألويسي

د. إيمانويل ألويسي
طبيب جراح وأديب إيطالي معاصر  ولد  في كوزنسا 1974 ، مؤهل في طب الطوارئ والطب الشرعي. كان شغوفًا دائمًا بالأدب ، انهى دراسته الكلاسيكية في جامعة كوزنسا. وهو حائز على العديد من الجوائز الوطنية والدولية في الشعر كما أنه عضو لجنة تحكيم بأكثر من مسابقة شعرية في إيطاليا . وهو رئيس الجمعية الثقافية  إيتكا -من البحر التيراني إلى الأيوني.
قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.