المسرح السعودي يتعافى بملتقى للديودراما والمونودراما

ورشة فن - مسرح

0 678

سماورد – الدمام

بعد توقف دام لأشهر عن الفعاليات الحضورية واقتصار فعاليات المسرح في المملكة العربية السعودية على الفعاليات الافتراضية، والتي لم تتجاوز الأمسيات والندوات وبعض التجارب التي اصطلح عليها بالمسرح الافتراضي والذي كانت مثار جدل بين المسرحيين، بعد التوقف حضر المسرح بكل قوته وعنفوانه على خشبة مسرح جمعية الثقافة والفنون بالدمام، الجمعية التي لم يسكن فيها الفعل الثقافي ولم تركن للظروف. فعلى مدار أربعة أيام انتظم ملتقى المونودراما والديودراما المسرحي بالدمام في الفترة بين 2-5 ديسمبر 2020، بمشاركة 12 عرضاً مسرحياً تنوعت بين عروض المونودراما (عرض الممثل الواحد) والديودراما (المسرح الثنائي) بالإضافة لورشة في الكتابة المسرحية وندوات فكرية وتطبيقية ومسابقة نص مسرحي.

الملتقى لم يعتمد مبدأ المنافسة والفوز والخسارة، وهو ما فتح الباب لوجوه جديدة لدخول عالم الإخراج المسرحي وتجربة إمكاناتهم دون الانشغال بثقل المنافسة. ومع هذا فقد شكل الملتقى مختبراً حقيقياً لممكنات الأداء والكتابة والسينوغرافيا والإخراج لدى المسرحيين الشباب، وكذلك مختبرا لحالة التلقي الذي نجح فيه جمهور الملتقى الذي حضر شغوفاً بالمسرح وعودته.

في الليلة الأولى وبعد الافتتاح الذي جاء بسيطاً تنوع بين الكلمات الخطابية والتكريمات والعرض المسرحي الذي أخرجه مخرج فرع الجمعية بالدمام الفنان راشد الورثان وبمشاركة مهدي الناصر وفاطمة الجشي اللذان أبدعا، رغم أنها المرة الأولى لفاطمة التي تقدم عرضاً مسرحياً على الخشبة وأمام حضور كبير.

وكان العرض الأول ضمن عروض الملتقى عرضاً بعنوان (الكومبارس) من إخراج عبد الله الحسن وتأليف فهد الحوشاني وأداء عصام البريمان. حيث تناولت المونودراما قضية الممثل البسيط المهمش وسط عالم نجوم وممثلين كبار يحظون بكل شيء وهو لا يحظى حتى بالفتات. ولأن المونودراما عرض يعتمد على ممكنات الممثل بالدرجة الأولى فكان الرهان في هذا العرض على أداء عصام البريمان الذي تمكن من دوره وإن فلت منه في بعض الأحيان، اجتهد كثيراً ليوصل رسائل العرض للجمهور لكنه أخفق في بعض المواضع، وكان يحتاج لتدريب أكثر وأكثف ليصل بأدائه للتجلي المسرحي ويتخلص من ترهله الواضح.

أعقبه عرض ورشة الطائف (ملف انجليزي) للكاتب فهد ردة الحارثي وإخراج وتمثيل مطر آل صواط، ونص العرض بسيط جداً حتى في لغته ودلالته، وهو من نصوص الحالة، حيث يتناول حالة شخصية وسيرته الذاتية وما يعانيه، قدم مطر عملاً كسر فيه الحاجز المسرحي الرابع حيث أشرك الجمهور في اللعبة المسرحية، وحولهم لطلاب مدرسة يرددون دروسه تارة، أو يجعل منهم شخصيات من شخصيات نصه. العرض هو التجربة الاخراجية الأولى لمطر آل صواط، ويبدو متفوقاً فيها كمخرج على الممثل، حيث ورط نفسه في مبالغات أدائية غايتها إضحاك الجمهور بيد أنها أثرت في جمالية العرض. عنوان النص لا يبدو متعلقاً بأي دلالة من دلات العرض.

واختتم اليوم الأول من أيام الملتقى بعرض (الحفرة) من تأليف وإخراج أشرف حسني وتمثيل علي الغانم، والعرض من انتاجات مؤسسة ريكوردينق، النص قدم باللهجة المحكية السعودية يتحدث عن رجل أمن سقط في حفرة ووجد نفسه متورطاً فيها، وتبدأ حكايته تتداعى ليكشف لنا كل خباياها. النص أصلاُ مكتوب باللهجة المصرية وتمت سعودته، لكن المخرج المؤلف أخفق في ذلك، حيث بقيت ظلال اللهجة المصرية حاضرة، في الحوارات والأغاني التي لم يكن وجودها مبرراً. ومهما اجتهد الممثل في أدائه ومحاولته تقديم عرض كوميدي بإقحام شتائم وألفاظ نابية إلا أنه أخفق في تجويد عرضه المسرحي.

في اليوم الثاني قدم نادي المسرح بجامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل بالدمام مسرحية (معرض الأرجل الخشبية) من إعداد كميل العلي وإخراج الدكتور مخلد الزيودي وهو عمل ديودراما أدى شخوصه كميل العلي ومحمد آل محسن. قدم المخرج في هذا العمل رؤية إخراجية مميزة اتسمت بالتقشف والبعد عن الاستعراض، فقد استخدم شماعتي ملابس ليحيلهما إلى أكثر من وظيفة درامية حسب مقتضى المشاهد، الشماعتان اللتان تعامل معهما الممثلان بشكل جيد، وإن تباين أداؤهما، فمحمد آل محسن قدم عرضاً يبدو جديداً عليه، فاللغة العربية تبدو ثقيلة في لسانه وأعاقته عن الأداء، بينما بدا كميل أقل مما عرف عنه رغم إمكاناته وخبرته العالية. بعد هذا العرض، شاهد جمهور الملتقى (الصفر) وهو العمل الأول للمختبر المسرحي بالقصيم، والعرض من تأليف عبد الوهاب الأحمري وإخراج ثامر الحربي الذي تفوق في الأداء أكثر من تفوقه في الرؤية الاخراجية التي عدت محاولة محترمة منه، والتي بشرت بمخرج جيد كما عرفه الجمهور ممثلاً ومؤلفاً. واختتمت الليلة بعرض لفرقة ظلال الشرق المسرحية من تأليف وإخراج عبد الله الغزواني، مسرحية (لقاء قبل الموعد) والتي لم ترق لمستوى العروض الأخرى وكانت محاولة لجيدة لمسرحيين جدد على الساحة، فإشكالية المسرحية بدأت من العرض الذي لم يكن واضحاً ماذا يريد أن يقول، ولا الرؤية الاخراجية ولا الأداء التمثيلي.

اليوم الثالث بدأ بأربع ندوات شارك فيها نايف البقمي بورقة بعنوان (المونودراما بين الإقبال والتوجس)، وسامي الزهراني بورقة بعنوان (مساحات الاتصال الجمالي عند ممثل المونودراما)، وأحمد الأحمري بورقة بعنوان (تشكيل الصور البصرية في عروض المونودراما) و عبد الله الجفال بورقة بعنوان (المسرح والمجتمع)، ثم قدمت ورشة الطائف عرض (نقطة آخر السطر) تأليف فهد ردة الحارثي وإخراج عبد الإله السحيمي، وهو نتاج مشروع تقوم عليه ورشة الطائف في تدريب شباب على الإخراج المسرحي تحت إشراف المخرج أحمد الأحمري، والعرض شاهده جمهور مسرح الدمام قبل تسع سنوات ضمن عروض مهرجان الدمام المسرحي ولكن برؤية مغايرة. فعرض الديودراما الذي قدم فيه السحيمي رؤية إخراجية اعتمدت على فقر الخشبة والتركيز على حركة الممثلين والإضاءة، قدم أداءً متناغماً بين الثنائي بدر الغامدي وعبد الرحمن المالكي. ثم قدمت فرقة الفنار الأصيل عرضاً قدم فيه مالك القلاف خلاصة تجربته الاخراجية، حيث تمكن من خطف دهشة وإعجاب الجمهور بعرضه (رقصة الموت) عن نص لياسر مدخلي، والذي كان منضبطاً وذا إيقاع متوازن، تظافرت فيه كل العناصر، خاصة الأداء المسرحي الذي قدمه كميل العلي وعلي الجلواح الذين تفردا في تقديم أداءً وازن، واستطاعا التعامل مع الدمى التي وجدها القلاف تخدم رؤيته، بشكل مقنع. وكان ختام الليلة مع عرض من تأليف احمد بن حمضة لفرقة جمعية الثقافة والفنون بأبها، وهوم عرض (واسفح وجهي) من إخراج علي الوادعي وإخراج عبد الوهاب الأحمري. حيث تمكن المخرج من رؤيته ومن تأثيثه للخشبة، أن يقدم عرضاً جميلاً، لكنه سقط في فخ السرد الذي وضعهم النص فيه، رغم إمكانات الممثل وقدرته العالية، لكنه كان مقيداً بنص يعتمد على الكلام الكثير والسرد.

في الليلة الختامية قدمت فرقت الريبيليون المسرحي مسرحية (الخنزير) من تأليف ماجد عبد الرزاق وإعداد عبد الله الغزواني وإخراج ماجد السيهاتي الذي شارك حسين اليوسف في أداء المسرحية، والتي اعتمدت بالدرجة الأولى على تمكنه-حسين يوسف- في الأداء وخفة ظله على الخشبة، لكن العرض كان طويلاً على غير عادة العروض المسرحية التي استضافها الملتقى، لدرجة انفلات العرض، ولو تمكن المعد من الاشتغال أكثر على النص الأصلي الذي حوله إلى نص بالمحكية، وقدمه برؤية جديدة عبر التركيز على جانب وزاوية معينة من النص. العرض محاولة جادة من المخرج لكن يبدو أن نزعة الكوميديا كانت حاضرة في العرض بشكل غير مبرر أحياناً.

أما العرض الثاني في الليلة الختامية فكان (سراديب رؤى) عن نص لروان الدهام وإخراج محمد جميل وتمثيل عبد العزيز الزياني وسارة طلال، وقدم محمد جميل رؤية إخراجية مميزة نتاج تراكم تجربته في مسرح الدمام حيث أصبح الأكثر حضوراً ممثلاً ومخرجاً وفي كواليس المسرح، وشكل تناغماً مع الجيل الجديد من مسرحيي المنطقة، وهو ما خلق إيقاعاً عالياً في العمل رغم التجربة الأولى كممثلة لسارة طلال التي قدمت أداءً متناغماً مع عبد العزيز الزياني الذي يثبت في كل عرض إمكاناته. وآخر عروض الملتقى (أمل) تأليف عبد الرحمن السعيد وتمثيل عبد الهادي الشاطري وآمال والتي تصعد الخشبة للمرة الأولى مثبتة موهبتها وقدراتها التي تنبئ بممثلة مسرح متمكنة. العرض كان إخراج عبد الوهاب السالم.

اختتم المهرجان بعد أن ربح رهانه، رهان الحضور المسرحي والمشاركة الكثيفة، ورهان اكتشاف مواهب جديدة ستضخ في جسد المسرح السعودي، وأن المسرح مهما سكن فلا بد أن يتعافى.

في الختام، كرمت اللجنة المنظمة المشاركين وأعلنت نتائج مسابقة التأليف المسرحي الذي تميزت بتسيد نسائي، حيث فازت بالمراتب الثلاثة الأولى كلا من: تهاني العبيد، زينب الشيخ علي، وسحر عسيري.. وتنويه للكاتبة إشراق الروقي. يذكر أن المسابقة حكمها فهد ردة الحارثي، الدكتور مبارك الخالدي، و نوح الجمعان.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.