مقدمة – ورشة الكتابة القصصية بصلالة

لذة الغواية - نصوص ورشة الكتابة القصصية

0 516

نصر سامي – تونس

هذا الملف هو الشجرة التّي لا يجب أن تخفي الغابة. الشّجرة رمت عروقها في منزل تميم وفي جبنيانة، ومن قبلهما في صلالة في سلطنة عمان. أمّا الغابة فهي العدد الكبير من الكتّاب الذّين قرّروا، حين أتحنا لهم الفرصة، أن يكونوا جزءا من مشروع طموح يتعلّق بالسّرد عموما، وبالقصّة القصيرة خصوصا.

انطلق هذا المشروع في شكل ورشة مستدامة تهدف إلى تكوين متخصّص ومعمّق في فنّ القصّ بالتركيز على أساسياته في مرحلة أولى، مع متابعة جادّة للمنتج الذّي ينطلق المشتركون في إعداده منذ أسبوعهم الأول. بدأت هذه المغامرة منذ خمس سنوات، في ورشات متعدّدة متلاحقة تتراوح بين الأسبوع والأسبوعين والشهور الأربعة، في مؤسّسات مختلفة تابعة للحكومة أو خاصة أو جمعياتية، وتعاون معنا عدد كبير من المثقفين والمراكز والدوائر المهتمة بمثل هذا النشاط، ولقد صدر عن هذا المشروع عدد كبير من المؤلّفات الجماعية والفرديّة نذكر منها 8 كتب جماعية وما يفوق 20 كتابا فرديا، عدا الكتب التّي ساهمنا في مراجعاتها واقترحنا تعديلها وأوصلناها للناشرين.

تحقّق الورشة المستدامة حزمة أهداف متكاملة ملخّصها التكوين النّوعي ومتابعة الكاتب من مرحلة الفكرة إلى مرحلة الكتاب المنشور، مع ما يتخلّل ذلك من تدريبات فردية وجماعية تحقق الهدف الآني والنهائي، وتنتهي أعمال كل ورشة بنشر كتاب جماعي في القصّ للكبار، وكتاب آخر للناشئين، وإذا صادفت من الكاتب حرصا وولعا فإنها تتبنّاه ليصل إلى تحقيق كتابه الفردي. ولقد جرّبت هذه الفكرة، فصحّت. وأصبح بعض المشاركين الأوائل كتّابا معروفين، وتجاوز بعضهم عتبة الكتاب الفردي الخامس. وتجربة الورشة تجربة غير مسبوقة في العالم العربي، ولا أعرف لها شبيها في الإحاطة بالمتدرّب وفي رفده رفد مثاقفة وتشذيب ومؤانسة، من مرحلة التفكير، إلى مرحلة الإنجاز. ولقد اشتغلنا في أجواء منعشة رائقة أفدنا منها إنسانيا ومعرفيّا، واستفدنا خير الأصحاب وأفضل الكتّاب.

عقدت الورشة إضافة إلى نشاطها الأصلي السابق عددا من اللقاءات مع الجمهور العريض في فضاءات مديرية الثقافة والمكتبات ومقرّات الجمعيات أو النوادي الثقافية أو الاتحادات، وتمّ عرض الإنتاج القصصي الخاص بالورشة عبر القراءة على جمهور عريض، وقدّمت لقاءات نقدية واسعة نظرت في منتجات الورشة وفي غيرها من المسائل ضمن سلسلة من اللقاءات نذكر منها: قراءات قصصية، التّي عقدت 9 مرات، وكتب وكتّاب، التّي عقدت 4 مرات، وعدد غير قليل من التظاهرات المتعلقة بالقصّ قديمة وحديثه، بمشاركات عمانية وتونسية ومصرية ومغربية وأردنيّة.

ولقد تمّ تطوير الفكرة وتطويعها لتشمل طلاب المدارس في سلطنة عمان، حيث عملنا مع عدد من طلاب المدرسة السعيدية بصلالة، وتمّ تنفيذ ورشة مستدامة، طبع خلالها كتاب بعنوان قصص قصيرة من أرض اللبان، ونتهيّأ لطبع الكتاب الثاني في المرحلة القادمة. لكنّ المشروع بعد ترعرع فكرته، وتركيزها فكريّا ونظريّا، وتأصيلها، وتوفّر أدبيّات لها، وبعد التعرّف مع أغلب التجارب الورشوية العربيّة وغيرها، بعد ذلك كلّه، تمّ إعداد تصوّر لتنفيذها في توقيت مختصر وبفعالية كبيرة، وتمّ ضمن هذا التصوّر عقد عديد الورشات، وهذا تفصيلها:

  • ورشة أساسيات القصة القصيرة بصلالة في سلطنة عمان (الورشة الأمّ):

انعقدت على فترات متواترة، بإشراف مباشر منّي، ونسّقت أعمالها الكاتبة إشراق النهدي، على امتداد المواسم الخمسة الأخيرة، بالتعاون مع المديرية العامة للتراث والثقافة بظفار، بسلطنة عمان، وهي الورشة الأمّ التّي يشارك فيها عدد من المتدربين من عديد الدول العربية، ولقد أصدرت الورشة عددا مميّزا من الكتب الفردية والجماعية، وسوف يصدر لها قريبا 6 كتب هي نتاج دورتها الأخيرة.

  • ورشة أساسيات الكتابة في جبنيانة:

انعقدت في الفترة بين 15 و18 جويلية 2019، بتنسيق الكاتبة دلندة الزغيدي، وتمّت بالتعاون مع جمعية آفاق الثقافية بجبنيانة، بحضور نخبة من المتدرّبين متنوّعي المشارب والكفاءات. ولقد أنتجت الورشة كتابا قصصيّا جماعيا بعنوان: أهازيج النّسيان.

  • ورشة أساسيات القصّة القصيرة في منزل تميم:

انعقدت بالمركز الثقافي ريدار، بمنزل تميم، من 22 إلى 25 جويلية 2019، بتنسيق الكاتبة نعيمة الحمامي، ولقد تمّت بالتعاون بين المركز الثقافي ريدار ورابطة الكتاب التونسيين الأحرار بنابل. ولقد تمّ إنجاز الورشة بحضور نخبة من المتدربين من ذوي الدّربة والتجربة ومن غيرهم، ولقد أنتجت الورشة كتابا قصصيا جماعيّا بعنوان: عبق لاحق.

  • ورشة أساسيات القصة القصيرة عن بعد:

        انطلق التكوين عن بعد مع عدد من المتدربين (عددهم الآن 4)، من بعض الدول العربية، وهو تكوين نظري وتطبيقي عبر الأنترنت، ولقد أثمر لحد الآن كتابا واحدا. وهذا النوع من الورشات ما يزال جديدا، ونحن نعمل على تطويره وتوسيع قاعدته، وبعث “تطبيقة” تضمن وصول هذا التأثير والتفاعل إلى من يحتاجه.

هذا هو السياق العام، وهذه هي الغابة التّي يخفيها هذا الكتاب الجماعي الذّي يتوّج حراكا كبيرا يدور في منطقة طفار، وفي منطقتي منزل تميم وجبنيانة، وفي غيرهما في المناطق داخل تونس وخارجها. وهو أخيرا مجرّد بداية، لا أحبّ أن يفهم منه أنّه قطاف! وإن كان قطافا، فليكن قطاف الشجر في بدء نضجه. وهذه النصوص القصصية التي فيه هي محاولات في تطبيق الأساسيات، وفي الخروج من دائرة ما ليس قصّا، كالقصيدة والخاطرة والمذكّرة والمقال وغيره من النصوص، والدخول في دائرة النّوع، بجمالياته وغناه وخصوصياته. وهذه الأقاصيص علاوة على اشتغالاتها الفنّية تسري فيها روح محلّية خصبة شديدة الثراء والغنى، إذ دعي المتدرّبون إلى المحلية، وتفاصيلها، والرؤية الذاتية، وخصوصياتها. ولقد تمّ ذلك كلّه بيسر.

شاركت في هذا الكتاب أجيال متباعدة من حيث الأعمار والتجارب، أذكر منهم: د. جلول عزونة، والكاتبة سندس بكار والكاتب عزيز اليحياوي، مثالا لا حصرا. وغادرنا خلال مرحلة إعداد الكتاب للطبع الكاتب سمير السايح، رحمه الله، ونفع به. وحدثت أمور كثيرة، لم أكتبها كلّها في هذا التقديم، ولكنها دفعتني للعمل على تطوير هذه الفكرة وترسيخ عادة التعلّم النّوعي المتخصّص السّريع العملي.

القصص مثل الحياة قصيرة وغريبة، نطلبها، فلا تأتي، وحين نظنّ أنّها أفلت، وغابت، تخرق الظلمة بعبقها المدهش، وتظهر كاملة الفتنة. الحكمة في كلّ هذا أن نعرف ما نريد، وأن نسير إليه رأسا، وأن نتدرّب، ونوفّر شروط الكتابة، وما أكثرها!

        يحتوي هذا الملف على قصص من إنتاج المنتسبين للورشة في موسمها الخامس، وهم من تونس وسلطنة عمان ومصر. وجمعت قصص الملفّ الكاتبة التونسية رحمة البحيري.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.