الطبيعة الأم خامة شعرية ( ثاي ثوي وإيليا أبو ماضي )

0 990

لا يخلو نص شعري من نصوص الشعراء البوذيين من دلالات الطبيعة الفطرية بكائناتها وجماداتها يتحدون معها بحيث تصبح الأنا أي جزء من أجزائها والشاعرة الفيتنامية ثاي ثوي تحمل ذات النسق التي رضعته من زهرة اللوتس المقدسة. لذلك تجد دلالات الاتزان بين الجمال وجمال القبح والحياة والموت في نصوصها التي تتكئ على سلوك الكائنات في بناء صورها الشعرية حتى في رثاء ابنتها (لالا) التي توفيت وهي صغيرة جدا. في نصها أدخل العالم لا تعلم الشاعرة  إن كانت طيرا بلون الربيع مرصعا بالجواهر أو أشد الثعابين سمية. هذا الاتزان الذي يفتتح النص ويضع خريطة القراءة بين يدي المتلقي يشبه قصيدة الشاعر إيليا أبو ماضي (الطلاسم) التي يفتتحها ب( جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت..) إلا إن أسئلة أيليا الكثيرة عن ماهيته قبل أن يكون إنسانا سويا تخاطب الطبيعة أيضا.  وهو قد يشبهها ولكنه لا يكونها سيجد اختلافا جميلا في يقينياته (إنّما أنت بلا عقل ولي ،يا بحر ، عقل)( ما أنا أعمى فهل غيري أعمى؟) بعكس شكه الذي يتردد بين النقيضين ولا يكونهما. ولعل إيليا استخدم قناع الشك بشكل مفضوح في مقاطع النص لتمرير رسائله الشرية ونقده الجمعي أيضا. الشعراء الفيتناميون يحملون مثله ذات الشك إلا أن ما يحملونه من يقين هو جزء من الشك أو الشك كله (إنه قد يخاطبون صرصورا أو يكونونه وقد يصبحون حجرة في قاع محيط أو غصنا لحظة مخاض تبرعم. الأرض مقدسة بكل ما فيها من جمال وقبح يصنع التوازن)

والطبيعة أم وملهمة ومعلمة. وهنا وقد يبدو لنا أن اليقينيات لديهم هي من نسخ الطلاسم لدى إيليا.

أترك بين أيديكم نصين للشاعرة الفيتنامية المعاصرة ثاي ثاو, نموذج بسيط على اليقين المتمظهر في صورة شك منغمس في تماهيه مع الطبيعة.

أدخل العالم

لا أعلم إن كنت طيرا أخضرا

مع أجنحة مفرودة مرصعة بالجواهر

أم ثعبان بحر زلق يقف بذيله ؟

أدخل العالم حائرة

مفتقدة أرضك بشغف.

أحبس أنفاسي في خيالي لساعات

لأعيش وأتجاوز قلق نمو البرعم

يكسر صمته

بصمت الآخر

أكثر هدوء وعمقا

أخبرني

ألهما ذات الطول الموجي ؟

حين أبكي

يتوقف النهر عن التنفس لبضعة ثوان

آسفا

على قتل قطرات الماء ذاتها فوق العشب.

على شاطئ الرمل البارد

تأكل الأمواج أول  فاكهة الأسماك ناضجة

كعيناي بعد أن توقفتا عن البكاء

وهم ترتعشان أمام الأرض عالية النقاء

سأخلع جسدي المقدس

لأصبح زهرة صغيرة

تنمو على شبكة عين العالم

بينما يراق دم البتلات

من أجل الخلاص

  

” لالا ” الصغيرة

  

أصبحت ( لالا ) فراشة صغيرة

الأرض مليئة بآثار خطوات الأزهار

يتشبع اللبأ* بفجر أبيض

عطر حلو يعلق حتى بأجنحة اللقلق

 أصبحت ( لالا ) فراشة صغيرة

تحتضن العشب الناعم بالندى

سواء أمرّ غناء الطيور عبر النوافذ الأرضية

في جرس يتعلم كيف يبكي

أو يضحك

 أصبحت ( لالا ) فراشة صغيرة

تختبئ خلف ستر الخريف

والريح أصبحت من أقربائها

أتيت هنا! أتيت هنا…

 تتقلص الحجرة إلى مهد

يهززنه القابلات ذوات الشعر الفضي بخفة

 يرفرف السرير القديم

مثلي

 ويغلي ضوء القمر الفضي في كوب الدواء

 أنا لوحة ملونة بأكملها

وصوت الجنين يشبه الثمار الناضجة وهي تهدهد الشجرة

تتجذر الريح بطول الجدار وتغني بحماسة:

النجوم تتشابك بإبط الأوراق

تمتد الصدور بين السماء

تتصل الأمعاء مع بعضها بلا نهاية

تغرغر القلوب الجافة

تتبرعم من الأيدي المزيد من الأصابع وهي تشتبك مع بعضها البعض

ناقوين ثاي ثوي
شاعرة ومترجمة  فيتنامية معاصرة تحمل شهادة البكالوريوس في الاقتصاد حازت على عدة جوائز أدبية في فيتنام,ونشرت أعمالها في العديد من الصحف والمجلات الأدبية ونقلت إلى الفيتنامية العديد من قصائد الشعراء الدوليين.

 

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.