طفولة على هامش الفن

1 1٬199

إبراهيم أحمد الإعيسر -السودان

كنت دائماً ما أقول: لِمَ لا نؤسس لفتح مراكز في (الاختراعات) في قريتي “ألتي”؛ لتطوير الذكاء المكتسب، وخلق تعاون مع أكاديميين ومنظمات دولية تدعم هذا الشأن؟ هذا السؤال قفز إلى ذهني هذه المرة – والتي لن تكون الأخيرة –  بعد أن أدهشني الطفل الجميل المذهل “علي ميرغني المسيك” -من أبناء قرية ألتي – صاحب الثلاثة عشر عامًا  المغرم بالإلكترونيات وهو يعمل على (فكفكت) الراديو لمعرفة ما في داخله والطريقة التي صنع بها، ويعمل على إصلاح الأعطال الكهربائية في “المصابيح” والبطاريات، وآخر ما أصلحه هو عطل في وصلة “السخان”. يقول علي بأنه يحلم أن يكون مخترعًا، وهذا ما يدعمه في مشاهداته التلفزيونية لقنوات تهتم بالطبيعة والاختراعات مثل “ناشونال جيوغرافيك” التي تقدم البرامج الوثائقية العلمية والجغرافيا والعلوم الطبيعية (أصل الأشياء).

مثل هذه الأفكار، دائمًا، ما تقابل (بالسخرية) و(المحاربة) اللفظية والفعلية؛ نسبة للنمطية الفكرية الاجتماعية القائمة على أفكار مبتذلة لا تمثل ظاهرة أو إحداثيات تقود للتقدم الحضاري. هذه أيضًا مشكلة الحكومات التي لا تقدم الاهتمام والرعاية لأمثال هؤلاء المبدعين، الذين تحاربُ إبداعَهم ظروفُهم الطبيعية المتعلقة (بالزمكان).

تجربة “علي” الابداعية لم تقتصر على إصلاح الأعطال الكهربائية، ولا على تجربته الاستكشافية حول الاختراعات، فهو مبدع أيضًا في الفن التشكيلي، فقد شاهدته في المعرض التشكيلي الذي أُقيم في نادي النهضة الثقافي الاجتماعي الرياضي، مشاركاً بـ”لوحات” تحمل “رمزيات ثورية”، وهذا ما يدل على الوعي المبكر العام عنده في ربط الفن بالأحداث الثورية التي كانت تعيشها البلاد وقتها.

أضيف إلى ذلك، أن هناك أطفال عدة أذكياء جدًا ولأبعد الحدود، أو بشكل خارق؛ شاهدت بعضهم بعيني، لهم تفكير غريب في مرحلتهم الاستكشافية للحياة (الطفولة هي مرحلة استكشافية للحياة)، وأتذكر من ذلك ومن الطرائف: طفل ذكي جدًا في (الإجرام)، فالذكاء أنواع: العاطفي والعلمي والرياضي والقانوني والاجتماعي… الخ.

كذلك، إذا أخذنا نموذجًا آخر، موهبة “محمد مصطفى أبو الحسن” الفذة في الفن التشكيلي، أو فيما نسميه في تصنيف الاجناس الفنية التشكيلية فن “الواقعية”، الذي أبدع فيه الجميل المدهش جدًا “محمد” صاحب الستة عشر عامًا الذي يسكن الخرطوم العاصمة، وتفوق على رصفائه من الفنانين الكبار، سوف نجد بأنها ظاهرة فنية مدهشة كون هذا الطفل لم يتجاوز السابعة عشر من العمر.

في الحقيقة، السودان كدولة هو غزير بالثقافة، والمادة الخام التي تولد الفن والابداع، لكن نسبة لما كانت تمارسه الحكومة السابقة (الإنقاذ) من تضيقها على الفن، ومحاربة الثقافة بكل أشكالها المتاحة والممكنة، وما تفرضه الظروف التي تقف ضد الفنان؛ ابتداء من مجتمع الأسرة البسيط؛ إلى المجتمع عامةً الذي يفتقد للذائقة الفنية -وهذه تعد مشكلة مؤسسة تعليمية وإعلام – إلى الظروف الاقتصادية القاتلة للمشروع الفني. هذه الظروف أدت إلى هجرة المئات من المبدعين في مختلف الفنون.

رغم ذلك، ووسط كل تلك الظروف، السودانيون لا يتوقفون عن الإبداع، بل يمثلون هذه المقولة (المعاناة تولد الابداع) واقعًا يذهب بقدمين.

قد يعجبك ايضا
تعليق 1
  1. محمد صلحي يقول

    كتابتك عن هولاء المبدعين، المنفلتين من براثن الظروف وحكم المجتمع على الطفل، هي كتابة لأجل فتح آفاق أرحب لمواهبهم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.