أقتل التعب بالتعب

الخطاط حسن آل رضوان (عابد)

0 1٬418

حيدر العلوي – السعودية – سماورد

من قرية اسمها القديح، تحيطها من جميع الجهات بساتين محملة بالثمر وأوراق الشجر والورود والطيور والفراش؛ وبالتحديد من الحي الشرقي فيها، ببيوته المتراصة القريبة من بعضها حدّ الالتحام والاشتراك في جدرانها البينية المبنية من حجر البحر، والأزقة الضيقة بطابع القرى والبلدات العربية قديماً المفعمة ببساطة الحياة؛ من هنا؛ من هذه الروافد البيئية خرج أستاذي (عابد). خرج شغوفاً بالخط العربي والزخرفة الإسلامية، يُغذّي عينيه بصرياً بما يشاهده من آيات مسطرة على جدران المساجد، وشواهد القبور، وليس انتهاء باللوحات الخشبية المعلقة في الشوارع والمحلات التجارية التي تحولت فيما بعد إلى ضوئية. ولأنه يعرف أن هذا الشغف لن تشبعه الدراسة الأكاديمية بالتحاقه بكلية إعداد المعلمين مسار الفنون الجميلة؛ لذا رسم لنفسه مبكراً بداية جادة وأولاها اهتماماً كبيراً، دعمه في ذلك رغبته في التميز، ورأى أن ذلك لن يكون إلا بسلوك طريقة المريدين على درب السلوك والعشق؛ بملازمة الأساتذة وفق النهج التقليدي لتعلم الخط العربي.

ماذا يعني النهج التقليدي؟ يعني أن يذهب (عابد) إلى الاستاذ مرة كل أسبوع، مضطراً أحياناً أن يقطع المسافة الطويلة من بيته إلى مقر الدرس ماشياً، من أجل أن يُصحَّح له ما تدرب عليه خلال أسبوع كامل على كتابة البسملة فقط بخط النسخ أو الثلث، مستخدماً القصب والحبر، أو تدريب متواصل ومتكرر يقتصر على كتابة دعاء قصير مثل (رب يسر ولا تعسر رب تمم بالخير). قد تطول فترة انتظار تصحيح العبارة من الأيام إلى أسابيع في حال انشغال الأستاذ، حتى يُسمح له بكتابة عبارة إلى أخرى. كان عليه أن يمضي أشهراً في كل مرحلة من مراحل العبارات القصيرة أو الأحرف المفردة أو الأحرف المتصلة، قبل أن يصل إلى مرحلة الاشتغال على النصوص المطولة مثل آيات من سور القرآن الكريم أو قصائد كـ (بانت سعادُ)، وكل نص يجب أن يأخذ حقه من الوقت والجهد، متبعاً طريقة محاكاة وتقليد الخطاطين الأوائل، لا ينتقل من إحداها إلى أخرى إلا بإذن استاذه الذي عليه الالتزام بتوجيهاته وملاحظاته مهما كانت صغيرة.

كل ذلك العمل الدؤوب، كان ينفذه في مجلس بيت العائلة مستخدماً جدرانه المبنية من حجر البحر رافعةً يشد بها لوحاته القماشية، أو في الجزء الذي استقطعه من بيت أحد جيرانه في ذلك الحي الصغير؛ ليكون مرسمه للفنون وبالأخص معملاً للخط.

(عابد) دائماً ما يعبر عن امتنانه لمن تتلمذ على أيديهم؛ خاصة أستاذه نافع التحيفاء الذي عمل، في فترة سابقة مع مجموعة من الخطاطين، نقلة في مجال الخط العربي نستطيع اعتبارها بالعصر الذهبي للخط في منطقة القطيف. وكذلك يذكر تتلمذه على الخطاط التركي الأستاذ محمد أوزجاي، طامحاً أن ينال إجازة منه توصله إلى السلسة الذهبية للخطاطين الأوائل، وفق التقليد المتعارف عليه في صنعة الخط العربي. وللأسف تعذر عليه ذلك؛ للمعايير الصارمة جداً التي يتبعها الأستاذ محمد، وتتطلب ملازمة الأستاذ لفترات طويلة ومتصلة دراسة وتدريباً، وهو ما لم يستطع (عابد) إيجاده لبعد المكان عن الوطن.

وأنا كتلميذ له، أدين له بالعرفان ليس فقط في تتلمذي عليه فنياً، والتي لم أكن لأطور قلمي دونها، بل للروح التي يحاول زرعها في تلاميذه للشغف اللامتناهي للفن. هو أحد أولئك القلائل من نشاطهم لا يتوقف. من عمله في تدريس التلاميذ في المدرسة الحكومية، إلى طاولة الخط مباشرة. يستمر في الكتابة لساعات. يردد عبارته: “أنا أقتل التعب بالتعب”. هذا النشاط رأيته ينعكس تميزاً في إدارته حين شغل رئيس جماعة الخط العربي بالقطيف، وحين كان عضواً إدارياً فاعلاً في لجنة الفنون التشكيلية بجميعة الثقافة والفنون بالدمام.

بقي أن أقول أن (عابد) الذي اتخذه استاذي كـ (توقيع) – الاسم المهني للخطاط – ليس مأخوذاً من أحد أسماء الخطاطين الأوائل كما يفعل الكثير من الخطاطين المحدثين، وليس تعديلاً لأسمه الأول ليحمل جرساً موسيقياً كما يفعل خطاطون آخرون؛ فأستاذي أسمه (حسن آل رضوان). أما (عابد)، فهو لقب عائلة أمه، عائلة (العابد)؛ اتخذه تكريماً وعرفاناً لها.

 

حسن آل رضوان (عابد)
  • عضو مؤسس بالجمعية السعودية للخط العربي
  • أحد مؤسسي جماعة الخط العربي بالقطيف
  • شغل منصب مشرف لجنة الخط العربي بجمعية الثقافة والفنون فرع الدمام
  • مدرس ومدرب للخط والزخرفة الإسلامية بجمعية الثقافة والفنون
  • له مشاركات في السعودية والإمارات وإيران والصين ومصر وتونس والكويت والجزائر وكازخستان.
  • حصل على المركز الأول في الخط العربي في مسابقة الفنون البصرية بمجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 2012
  • حصل على المركز الأول في مسابقة خطاطي وفناني المملكة العربية السعودي عامي 2009 و2011
  • حصل على جائزة ملتقى الشارقة للخط العربي 2018

للتواصل والتعرف على أعمال الخطاط: 

 

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.