فلسطين في قلم الشاعر الآخر

0 202

رائد أنيس الجشي – السعودية

يختلف الشعراء غير العرب في التعبير عما يحدث في فلسطين وكيف يعبرون عن مشاعرهم الخاصة، ولكنهم يبدون متفقين في ثلاث نقاط مهمة وذكية في نفس الوقت

1- بين الإثبات والإسقاط

في معظم النصوص التي اطلعت عليها مترجمة أو ترجمتها من الإنجليزية لا يوجد نص يذكر مسمى (إسرائيل) نهائيا، بل يعبر عنها بالظالم أو المحتل أو يذكر أفعالها الشنيعة أو انعكاسها على الفلسطينيين فقط أو يتم تجاهل وجودها تماما ويركز على إظهار مسمى فلسطين بشكل عام أو اسم إحدى المدن الفلسطينية والتعبير عنها بالانتفاضة والثورة والسلام والحرية مع مراعاة عدم ذكر اسم أي حزب سياسي بها للتأكيد على الوحدة.

يقول الشاعر الإيطالي إنزو باكا (1) في قصيدته (سأجلب لك زهر يا أحمد) على سبيل المثال “حيث كان مقلاع الشباب/ في زمن الانتفاضة/ يقسم الريح بقص الهواء” ويقول “سأجلب لك زهرة يا صديقي/ مع بتلات الندم/ أنا الذي اخترت السلام بدلا من الحجر/ وصوت العندليب بدلا من السيف/ ورائحة جوهر “ميرال” العذبة/على الحياة في سماء الخليل”، ولا يذكر العدو نهائيا مسلطا الضوء على الطفل المرح الذي اختار أن ينضم للانتفاضة وقتل شريفا. كما أنهى قصيدته التي نشرها بعد السابع من أكتوبر (القدس أرض كل أب) بـ “أترى كانت القدس معروفة وقتها بمدينة السلام؟ / ولكنها أصبحت قُبلة/ في ظل الأسلاك الشائكة/ تنعش الفم/ من عطش إلى عطش”. ورغم أنه يرى أن اليهود أيضا مظلومون بسبب إسرائيل فهو يبكي الكوفية والـ(الكيباه) وحائط المبكى إلا أنه يراهم شهودا على ظلم المحتل أيضا ويترنم في منتصفها بنسبة حجر هذه الأرض إلى فلسطين التي كانت تجمع بين المسلمين واليهود والنصارى بسلام، ثم تغير حالها مع الاحتلال “لا أعرف لماذا أراقب المدينة وأستمع إليها/ من أغنية إلى أغنية، ومن حجر إلى حجر فلسطيني”. بينما تقول الشاعرة الإيطالية كلاوديا بجينو (2) في قصيدتها (أشلاء أخي في حقيبتي المدرسية) “أحمل أشلاء أخي/ في حقيبتي المدرسية/ وهذا كل ما أملك/ الأطفال يموتون في فلسطين/ بعضهم قد ينجو، ولكنهم/ يفقدون عينا أو أذنا أو عضوا من الجسدِ/ أو أبا أو أما او أخا/ تحت القصف”، ولكنها لا تسمى من يقصفهم ويقتلهم وكأنه انتصار باللغة للمظلوم وتهميش متعمد للظالم. بينما يقول الشاعر النرويجي جان أوسكَر هَنسون (3) “الذين دمر حشد من أوروبا بلادهم/ مدعين أن فلسطين أرضهم/ كما وعد حَبْر يهودي” فهم أوربيون لا إسرائيليون قبل أن يختم قصيدته “أنا كبرت ولن أعيش طويلا بما يكفي لأرى فلسطين/ لكنني أعلم أن فلسطين ستصبح حرّة!”.

ويقول الشاعر الكندي إبراهيم هونجو (4) “حلمك تقطع بالحرية/ الشعب فيك هائج/ كرائحة الدخان والبارود والدمار/ وأيامك تصرخ وتبكي وتدمع/ فلسطين…”، بينما يشير إلى إسرائيل بالجار الذي يريد محو الشعب “يريد ارتداء ما تملكينه/ جارك يقاتل ضد الكوارث/ لكن يدمر كل ما لديك/ ويقتل النساء والأطفال والعجائز/ إنه يمحو أثر شعبك”، أما الشاعرة المكسيكية ماريانجيل بوساداس (5) فتقول في قصيدتها (من المؤلم أن أسميك اليوم حرية)، “وجهاً لوجه مع الموت، آلاف الأطفال -جميعهم أبرياء-/ مدفونون تحت أنقاض الأنقاض/ شهادة على نار تُسلَّطُ لا لتُنير/  بل لتنصر الذين يقاتلون بلا كرامة”.

2- بين وهم السلام و وجوب المقاومة.

الشاعرة الصربية د.آنا ستجيلجا (6) تختم نصها الذي كانت تعلن فيه فخرها بالطفل الفلسطيني (إلى طفل فلسطيني)، “وأسمع ضحكك/ وأنت سعيد/ تعيش بسالم في منزلك/ وبلادك”، وتقول الشاعرة البولندية أليسيا كوبريسكا (7) والتي تفضح كذبة السلام المدعى في ختام نصها (نجوم أخرى)، “انفجرت النجوم/ على المدن المحيطة/ وأنقاض القرى المميتة سقطت/ حريق في الشوارع/ وأثار من التمرد والغضب/ مطر الربيع لن يطفئها/ نجوم أخرى تجلب الدمار/ تكشف الحقيقة / أن السلام لم يكن موجودًا من قبل”، ويختم الشاعر هونجو نصه الذي قال في منتصفه “فلسطين…/ قوات حفظ السلام تعقد/ وتكتب قرارات سلمية/ وتسرد قصصًا فارغة”، بالتالي “أعلم أن قصيدتي لن تساعدكِ/ لكنها إعلان بأنكِّ لستِ وحدك/ فأنا معك/ أتقدم مع جيشك في عقلي/ وأتمنى أن تكوني حرة وسالمة ومزدهرة” وتقول بوسداس “الماء مصبوغ بدم أحمر/ أهو وضوء ناري؟/ طُويتْ أجنحة ملائكتك/ لا ثمة سلام”، أما بجينو فتقول “إنه استحواذ كامل/ وتطهير عرقي/ لا يهتم أحد بالدبلوماسية”، وتختم نصها “وعد/ رجوع/ الحرية/ بلغ المشهد”.

3- لغة التحريض الناعمة

لا يوجد أي نص يدعو لغير المقاومة والانتفاضة لا يوجد أي تحريض على مستوى النص حتى على (القتل)، كل الألفاظ البشعة والتي تثير حساسية الرأي العام يوصف بها المحتل أما الفلسطيني فحتى وهو يدافع عن نفسه لا يحرض أو يؤمر بما هو مشروع حتى على المستوى اللفظي مثل (القتل)، لا يوجد لفظ اقتلوهم أو اقصفوهم أو ردوا عليهم بالمثل رغم أن ذلك مضمن في مشروعية المقاومة والدعوة والدعاء للمقاتلين ولا يوجد وصف قذر للإسرائيليين بسباب او شتم بذيء، بل تركيز على القضية العادلة ومشروعية الدفاع والانتفاضة هذا إذا لم يكتفوا فقط بالدعوة غير المباشرة لمشروعية الانتفاضة والتركيز على الفظائع التي قام بها المحتل معتمدين على ذكاء المتلقي في فهم ذلك، هونجو يقول مثلا “من يريد أن يعيش حرًا في سلام؟/ فوق أرضه!/ فلسطين…/ أدري كم حذاء المحتل ثقيل/ وكيف تدافع القلوب عن الحرية والسلام”، وهنا نجد القلب المدافع  مقابل الحذاء المحتل. في نص بوسداس “دعني، في هذه الوقت، أتألم معك/ لتغرق بين جوعك وموتك وخرابك/ لأقضي من أجل الحب الوقت المتبقي لأعيش فيه/ لأغني ما يحيي روح الحرية”، إحياء الحرية بالغناء والحب مقابل الجوع والموت والخراب.

__________

1-إنزو باكا: شاعر إيطالي معاصر حصل على العديد من الجوائز منها: وسام رئيس الجمهورية الإيطالية، ترجمت نصوصه إلى الإنجليزية الشاعرة كلاوديا بجينو. وإلى العربية رائد الجشي.

2-كلاوديا بجينو: شاعرة دولية مقدرة ومترجمة تعمل محررة لجائزة روسيتا التركية، ومجلة أتونس بألبانيا. نشرت سبع مجموعات شعرية، ترجم أعمالها للعربية رائد الجشي

3-جان أوسكَر هَنسون: شاعر نرويجي يكتب باللغة الإنجليزية، أشهر مجموعتين شعريتين له هما: همس من الشرق، نهاية الإبحار. ترجمت قصيدته أ. أمينة عبد الوهاب الحسن.

4-إبراهيم هونجو: شاعر كندي وكاتب ونحات ورسام ومصور حصد العديد من الجوائز نشر 29 كتابًا بلغات مختلفة وترجمت أعماله إلى عشرات اللغات ترجم نصه إلى العربية: أ. أحمد أبو عناني.

5-ماريانجيل بوساداس: شاعرة وكاتبة مقالات ثقافية. حاصل على درجة الدراسات العليا في الأنثروبولوجيا. نُشرت أعمالها الأدبية في كتابين شعريين وترجمها إلى العربية رائد الجشي

6-د. آنا ستجيلجا: شاعرة وكاتبة دولية مقدرة ومترجمة وصحافية ورئيسة تحرير لعدة مجلات أدبية مهتمة بالتنوع الثقافي. نشر لها أكثر من 30 كتابًا من مختلف الأنواع الأدبية. ترجمها للعربية رائد الجشي

7-أليسيا كوبريسكا: شاعرة وروائية وصحفية ومحررة ومترجمة بولندية فازت بعدة جوائز عالمية. ترجم نصها للعربية: أ. مهدي أوحجي.

قد يعجبك ايضا

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.